مما قرأت على شبكة روض الرياحين
علامة التصوف في الإنجيل
قال عبد الله محمود عكور
قال الشيخ الأكبر في آخر كتاب الفتوحات وهو كتاب الوصايا: حدثنا أحمد بن مسعود ابن شداد المقرى الموصلي بالموصل سنة إحدى وستمائة وكان ثقة قال: حدثنا أبو جعفر بن القاص قال: حدثنا يوسف ابن أبي القاسم الديار بكري حدثنا جمال الإسلام أبو الحسن على بن أحمد القرشي الهكاري: حدثنا أبو الحسن الكرخي: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن الفضل النهاوندي قال: سمعت شيخي جعفر بن محمد الخلدي يقول: كنت مع الجنيد رحمه الله في طريق الحجاز، حتى صرنا إلى جبل طور سيناء فصعده الجنيد وصعدنا معه، فلما وقفنا في الموضع الذي وقف فيه موسى عليه السلام وقعت علينا هيبةُ المكان، وكان معنا قوّال فأشار إليه الجنيد أن يقول شيئاً فقال:
وبدا له من بعد ما اندمل الهوى ... برقٌ تألق موهناً لمعانهُ
يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذرا متمنع أركانه
فبدا لينظر كيف لاح فلم يطق ... نظرا إليه وصده سبحانه
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سمحت به أجفانه
قال: فتواجد الجنيد وتواجدنا فلم يدر أحد منا أفي السماء نحن أو في الأرض، وكان بالقرب منا دير فيه راهب، فنادى: يا أمة محمد؛ بالله أجيبوني، فلم يلتفت إليه أحد لطبيب الوقت، فنادانا الثانية، بدين الحنيفية إلا أجبتموني، فلم يجبه أحد، فنادانا الثالثة؛ بمعبودكم إلا أجبتموني فلم يرد عليه أحد جواباً، فلما فترنا من السماع وهمّ الجنيد بالنـزول قلنا له: إن هذا الراهب نادانا وأقسم علينا ولم نرد عليه فقال الجنيد: ارجعوا إليه لعل الله يهديه إلى الإسلام، فناديناه فنـزل إلينا وسلم علينا فقال: أيما منكم الأستاذ؟ فقلا الجنيد: هؤلاء كلهم سادات وأستاذون، فقال: لا بد أن يكون واحد هو أكبركم، فأشاروا إلى الجنيد فقال: أخبرني عن هذا الذي فعلتموه أهو مخصوص في دينكم أو معموم؟ فقال: بل مخصوص فقال الراهب: لأقوام مخصوصين أو معمومين؟ فقال: بل لأقوام مخصوصين فقال: بأي نية تقومون؟ فقال: بنية الرجاء والفرح بالله تعالى فقال: بأي نية تسمعون؟ فقال: بنية السماع من الله تعالى فقال: بأينية تصيحون فقال بنية إجابة العبودية الربوبية لما قال الله تعالى للأرواح: ألست بربكم؟ قالوا: بلى قال: فما هذا الصوت؟ قال: نداء أزلي فقال: بأي بنية تقعدون؟ قال: بنية الخوف من الله تعالى قال: صدقت ثم قال الراهب للجنيد: مُدّ يدَك أبايعك، أنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، وأسلم الراهب وحسن إسلامه، فقال له الجنيد: بم عرفت أني صادق؟ قال: لأني قرأت في الإنجيل المنـزل على المسيح بن مريم: خواص أمة محمد صلى الله عليه وسلم يلبسون الخرقة، ويأكلون الكسرة، ويرضون بالبلغة، ويقومون في صفاء أوقاتهم بالله يفرحون، وإليه يشتاقون، وفيه يتواجدون، وإليه يرغبون، ومنه يرهبون، فبقي الراهب معنا ثلاثة أيام على الإسلام ثم مات رحمه الله تعالى