بحثٌ في القاعدة الفقهية الميسور لا يسقط بالمعسور

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين فهذا بحث في القاعدة الفقهية (الميسور لا يسقط بالمعسور)وقد قسم البحث إلى:
أولاً:الألفاظ التي ترد بها القاعدة:
ثانيا:معنى القاعدة ومفادها
ثالثا:دليل هذه القاعدة
رابعاً:فروع القاعدة عند السادة المالكية
خامساً :فروع القاعدة عند السادة الشافعية:
سادسا:تطبيقات تلك القاعدة في المذهب الحنبلي
سابعاً: ما خرج عن هذه القاعدة من مسائل
أ المستثنى عند السادة المالكية
ب-المستثنى منها عند السادة الشافعية
ب-والمستثنى منها عند السادة الحنابلة:
ثامنا:موقف السادة الأحناف من تلك القاعدة:
تاسعا :الخاتمة

أولاً:الألفاظ التي ترد بها القاعدة:يذكر فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة هذه القاعدة تحت عدة ألفاظ منها:
1-الميسور لا يسقط بالمعسور
2-من قدر على بعض الشيء لزمه
3-من قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها
4-المتعذر يسقط اعتباره والممكن يستصحب فيه التكليف
5-يجب فعل المأمور به كله فإن قدر على بعضه وعجز عن باقيه فعل ما قدر عليه
ثانيا:معنى القاعدة ومفادها:أن ما تيسر فعله على المكلف يجب عليه وما تعسر يسقط عنه, ولكن لا يسقط ما تيسر بسبب سقوط ما تعسر بل لكلٍ حكم
وقال إمام الحرمين: أن هذه القاعدة من الأصول الشائعة التي لا تكاد تنسى ما أقيمت أصول الشريعة
ثالثا:دليل هذه القاعدة من قوله تعالى {فاتقوا الله ما استطعتم} ومن قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين:إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم

رابعاً:فروع القاعدة عند السادة المالكية:
1-إذا قطع بعض محل الفرض وجب غسل ما بقي منه
2-ذهب ابن حبيب من المالكية إلى وجوب الصلاة على المحترق المترمد والغريق والأكيل مع تعذر الغسل والتيمم لأنه لا وجه لترك الصلاة عليه لأن الميسور لا يسقط بالمعسور ولأن المقصود من هذه الصلاة الدعاء والشفاعة للميت
3-الجريح والمريض إذا أمكن غسل بعض جسده دون بعض إن كان أكثر جسده جريحا تيمم ولا غسل عليه
4-من خلقت له كف في منكبه ولم يخلق له عضد ولا ساعد فإنه يجب عليه غسل تلك الكف
5-في زكاة الفطر من قدر على بعض الزكاة خرجه على ظاهر المذهب
خامساً :فروع القاعدة عند السادة الشافعية:
ذكر الإمام السيوطي فروعا كثيرة لها عند السادة الشافعية في الأشباه والنظائر:
1 : إذا كان مقطوع بعض الأطراف ، يجب غسل الباقي جزما .
2 : القادر على بعض السترة ، يستر به القدر الممكن جزما .
3 : القادر على بعض الفاتحة ، يأتي به بلا خلاف .
4 : إذا لم يمكنه رفع اليدين في الصلاة إلا بالزيادة على القدر المشروع ، أو نقص أتى بالممكن .
5 : إذا كان محدثا وعليه نجاسة ، ولم يجد إلا ما يكفي أحدهما ، عليه غسل النجاسة قطعا .
6 : لو عجز عن الركوع والسجود دون القيام لزمه بلا خلاف عندنا .
7: نقل العراقيون عن نص الشافعي : أن الأخرس يلزمه أن يحرك لسانه بدلا عن تحريكه إياه بالقراءة كالإيماء بالركوع والسجود .
8 : لو خاف الجنب من الخروج من المسجد ، ووجد غير تراب المسجد ، وجب عليه التيمم كما صرح به في الروضة ووجه بأن أحد الطهورين التراب : وهو ميسور فلا يسقط بالمعسور .
9 : واجد ماء لا يكفيه لحدثه أو نجاسته ، فالأظهر وجوب استعماله .
10: واجد تراب لا يكفيه ، فالمذهب القطع بوجوب استعماله .
من بجسده جرح يمنعه استيعاب الماء ، والمذهب القطع بوجوب غسل الصحيح مع التيمم عن الجريح .
11 : المقطوع العضد من المرفق ، يجب غسل رأس عظم العضد على المشهور .
12 : واجد بعض الصاع في الفطرة يلزمه إخراجه في الأصح .
13: لو أعتق نصيبه وهو موسر ببعض نصيب شريكه ، فالأصح السراية إلى القدر الذي أيسر به .
14 : لو انتهى في الكفارة إلى الإطعام فلم يجد إلا إطعام ثلاثين مسكينا : فالأصح وجوب إطعامهم ، وقطع به الإمام .
15 : لو قدر على الانتصاب وهو في حد الراكعين ، فالصحيح أنه يقف كذلك .
16 : من ملك نصابا بعضه عنده وبعضه غائب ، فالأصح أنه يخرج عما في يده .
في الحال .
17 : المحدث الفاقد للماء إذا وجد ثلجا أو بردا ، قيل : يجب استعماله ، فيتيمم عن الوجه واليدين ، ثم يمسح به الرأس ، ثم يتيمم عن الرجلين ، ورجحه النووي في شرح المهذب ، نظرا للقاعدة ، والمذهب أنه لا يجب .
18 : إذا أوصى بعتق رقاب ، فلم يوجد إلا اثنان وشقص ، ففي شراء الشقص ، وجهان أصحهما عند الشيخين : لا ، وخالفهما ابن الرفعة والسبكي نظرا للقاعدة

سادسا:تطبيقات تلك القاعدة في المذهب الحنبلي
1-إن كان أقطع غسل ما بقي من محل الفرض وسواء في ذلك اليدين والرجلين
2-إن أمكنه رفع احدى يديه في تكبيرة الإحرام رفعها
3- واجد بعض الصاع في الفطرة يلزمه إخراجه
4- إذا لم يخلف الميت ما يكفى للحج من بلده حج عنه من حيث يبلغ
5-إن ترك تعريف اللقطة بعض الحول لم يسقط عن الباقي
6- لو قطع لسانه استاك على أسنانه ولثته
7-من حبس ببقعة نجسة يصلي إيماء ويجلس على قدميه
8-الصلاة لغير القبلة لمرض أو منع مشرك ونحوه عند التحام حرب ، أو هرب من عدو ، أو سيل أو سبع
9-من عجز عن لفظ تكبيرة الإحرام أتى بما يستطاع
10- لا تسقط الصلاة عن مريض ما دام ثابت العقل لقدرته على الإيماء بطرفه مع النية بقلبه .
11-من عليه نفقة واجبة وجب عليه ما يقدر عليه منها وسقط عنه ما عجز
12-من عجز عن بعض غسل الجنابة لزمه الإتيان بما قدر منه لأن تخفيف الجنابة مشروع ولو بغسل بعض أعضاء الوضوء
13-العاجز عن القراءة في الصلاة يلزمه القيام قدر الفاتحة

سابعاً: ما خرج عن هذه القاعدة من مسائل:
أ المستثنى عند السادة المالكية
1-إذا وجد الإنسان من الماء ما لا يكفيه فهو عذر في الجميع فلا يستعمله ويتيمم
2-عدم امساك بعض اليوم للصائم
3-واجد بعض الرقبة في الكفارة لا يعتقها بل ينتقل إلى البدل
ب-المستثنى منها عند السادة الشافعية
منها : واجد بعض الرقبة في الكفارة لا يعتقها بل ينتقل إلى البدل بلا خلاف
و وجه بان إيجاب بعض الرقبة مع صوم الشهرين جمع بين البدل و المبدل و صيام شهر مع عتق نصف الرقبة فيه تبعيض الكفارة و هو ممتنع و بأن الشارع قال فمن لم يجد و واجد بعض الرقبة لم يجد رقبة
فلو قدر على البعض و لم يقدر على الصيام و لا الإطعام فثلاثة أوجه لابن القطان:
أحدها : يخرجه و يكفيه
و الثاني : يخرجه و يبقى الباقي في ذمته
و الثالث : لا يخرجه
و منها : القادر على صوم بعض يوم دون كله لا يلزمه إمساكه
و منها : إذا وجد الشفيع بعض ثمن الشقص لا يأخذ قسطه من الشقص
و منها : إذا أوصى بثلثه يشتري به رقبة فلم يف بها لا يشتري شقص
و منها : إذا اطلع على عيب و لم يتيسر له الرد و لا الإشهاد لا يلزمه التلفظ بالفسخ في الأصح
ب-والمستثنى منها عند السادة الحنابلة:
1-واجد بعض الرقبة في الكفارة لا يعتقها بل ينتقل إلى البدل
2-القادر على صوم بعض يوم دون كله لا يلزمه إمساكه لأنه ليس بصوم شرعي
3-إذا أوصى بثلثه يشتري به رقبة فلم يف بها لا يشتري شقص بل تلغو الوصية ويرجع المال للورثة
4-إذا عجز المصلى عن وضع جبهته على الأرض وقدر على وضع بقية أعضاء السجود فإنه لا يلزمه ذلك على الصحيح لأن السجود على بقية الأعضاء إنما وجب تبعا للسجود على الوجه وتكميلاً له

ثامنا:موقف السادة الأحناف من تلك القاعدة:
السادة الأحناف لا يقررون تلك القاعدة وإن قالوا بفرع أو فرعين منها فإنهم لا يقولونه بناء عليها بال استدلالا بحديث القاعدة إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم لذلك يقولون
1-عدم وجوب الصلاة على فاقد الطهور وأنه يؤخر الصلاة
2-تأخير الصلاة على فاقد القبلة
3-وكذا يؤخرها حتى يستر عورته ولا يصلي جالسا
4-لا تجب زكاة الفطر على من ملك بضع صاع فلا يجب عليه إخراجه
الخاتمة: فهذا القاعدة المنيفة من الأصول الشائعة التي لا تكاد تنسى ما أقيمت أصول الشريعة لما تشمله من الأتيان بوسع المكلف وقد تطبق على صورة أكبر في أعمال القلوب والتسابق للخيرات رزقنا الله من فضله العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

بشركم الله بالخير والرضوان سيدي الدكتور أحمد وأطال في عمر علامتنا محمد عبد الباعث-رضي الله عنه-وأحسن له في العمل

بارك الله فيك وعليك اخى محمد ونفع بك ولعل لقاء يجمعنا قريبا باءذن الله تعالى[b]

بارك الله فيكم فضيلة الشيخ محمد يحي ونفعنا بكم فكم نشتاق لذلك ونطلبه من الله سبحانه وتعالى