أحمد ذوالفقار المشرف العام
عدد المساهمات : 988 تاريخ التسجيل : 27/01/2009
| موضوع: مقال عن فوائد غض البصر الأحد فبراير 15, 2009 5:02 am | |
| من فوائد غض البصر
"إحْدَاهَا " تَخْلِيصُ الْقَلْبِ مِنْ الْحَسْرَةِ فَإِنَّ مَنْ أَطْلَقَ نَظَرَهُ دَامَتْ حَسْرَتُهُ، فَأَضَرُّ شَيْءٍ عَلَى الْقَلْبِ إرْسَالُ الْبَصَرِ، فَإِنَّهُ يُرِيهِ مَا لَا سَبِيلَ إلَى وُصُولِهِ وَلَا صَبْرَ لَهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ غَايَةُ الْأَلَمِ . "الثَّانِيَةُ " أَنَّ غَضَّ الطَّرْفِ يُورِثُ الْقَلْبَ نُورًا وَإِشْرَاقًا يَظْهَرُ فِي الْعَيْنِ وَفِي الْوَجْهِ وَفِي الْجَوَارِحِ، كَمَا أَنَّ إطْلَاقَ الْبَصَرِ يُورِثُ ذَلِكَ ظُلْمَةً وَكَآبَةً . "الثَّالِثَةُ " أَنَّهُ يُورَثُ صِحَّةَ الْفِرَاسَةِ فَإِنَّهَا مِنْ النُّورِ وَثَمَرَاتِهِ، فَإِذَا اسْتَنَارَ الْقَلْبُ صَحَّتْ الْفِرَاسَةُ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمِرْآةِ الْمَجْلُوَّةِ تَظْهَرُ فِيهَا الْمَعْلُومَاتُ كَمَا هِيَ، وَالنَّظَرُ بِمَنْزِلَةِ التَّنَفُّسِ فِيهَا، فَإِذَا أَطْلَقَ الْعَبْدُ نَظَرَهُ تَنَفَّسَتْ الصُّعَدَاءَ فِي مِرْآةِ قَلْبِهِ فَطَمَسَتْ نُورَهَا. "الرَّابِعَةُ " أَنَّهُ يَفْتَحُ لَهُ طُرُقَ الْعِلْمِ وَأَبْوَابَهُ، وَيُسَهِّلُ عَلَيْهِ أَسْبَابَهُ وَذَلِكَ سَبَبُ نُورِ الْقَلْبِ، فَإِنَّهُ إذَا اسْتَنَارَ ظَهَرَتْ فِيهِ حَقَائِقُ الْمَعْلُومَاتِ، وَانْكَشَفَ لَهُ بِسُرْعَةٍ، وَنَفَذَ مِنْ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ . وَمَنْ أَرْسَلَ بَصَرَهُ تَكَدَّرَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ، وَأَظْلَمَ، وَانْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ الْعِلْمِ وَأُحْجِمَ . "الْخَامِسَةُ " أَنَّهُ يُورِثُ قُوَّةَ الْقَلْبِ وَثَبَاتَهُ وَشَجَاعَتَهُ، فَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ سُلْطَانَ الْبَصِيرَةِ مَعَ سُلْطَانِ الْحُجَّةِ . "السَّادِسَةُ " أَنَّهُ يُورِثُ الْقَلْبَ سُرُورًا وَفَرْحَةً أَعْظَمَ مِنْ الِالْتِذَاذِ بِالنَّظَرِ، وَذَلِكَ لِقَهْرِهِ عَدُوَّهُ وَقَمْعِهِ شَهْوَتَهُ وَنُصْرَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَفَّ لَذَّتَهُ وَحَبَسَ شَهْوَتَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَفِيهِمَا مَضَرَّةُ نَفْسِهِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، أَعَاضَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَسَرَّةً وَلَذَّةً أَكْمَلَ مِنْهُمَا، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَاَللَّهِ لَلَذَّةُ الْعِفَّةِ أَعْظَمُ مِنْ لَذَّةِ الذَّنْبِ . وَلَا رَيْبَ أَنَّ النَّفْسَ إذَا خَالَفَتْ هَوَاهَا أَعْقَبَهَا ذَلِكَ فَرَحًا وَسُرُورًا وَلَذَّةً أَكْمَلَ مِنْ لَذَّةِ مُوَافَقَةِ الْهَوَى بِمَا لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا . وَهُنَا يَمْتَازُ الْعَقْلُ مِنْ الْهَوَى . "السَّابِعَةُ " أَنَّهُ يُخَلِّصُ الْقَلْبَ مِنْ أَسْرِ الشَّهْوَةِ، فَلَا أَسْرَ أَشَدُّ مِنْ أَسْرِ الشَّهْوَةِ وَالْهَوَى، قَدْ سَلَبَ الْحَوْلَ وَالْقُوَّةَ، وَعَزَّ عَلَيْهِ الدَّوَاءُ، فَهُوَ كَمَا قِيلَ: كَعُصْفُورَةٍ فِي كَفِّ طِفْلٍ يَسُومُهَا حِيَاضَ الرَّدَى وَالطِّفْلُ يَلْهُو وَيَلْعَبُ. "الثَّامِنَةُ " أَنَّهُ يَسُدُّ عَنْهُ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، فَإِنَّ النَّظَرَ بَابُ الشَّهْوَةِ الْحَامِلَةِ عَلَى مُوَاقَعَةِ الْفِعْلِ، وَتَحْرِيمُ الرَّبِّ تَعَالَى وَشَرْعُهُ حِجَابٌ مَانِعٌ مِنْ الْوُصُولِ، فَمَتَى هَتَكَ الْحِجَابُ تَجَرَّأَ عَلَى الْمَحْظُورِ، وَلَمْ تَقِفْ نَفْسُهُ مِنْهُ عِنْدَ غَايَةٍ، لِأَنَّ النَّفْسَ فِي هَذَا الْبَابِ لَا تَقْنَعُ بِغَايَةٍ تَقِفُ عِنْدَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ لَذَّتَهُ فِي الشَّيْءِ الْجَدِيدِ . فَصَاحِبُ الطَّارِفِ لَا يُقْنِعُهُ التَّلِيدُ، وَإِنْ كَانَ أَحْسَنَ مِنْهُ مَنْظَرًا أَوْ أَطْيَبَ مَخْبَرًا . فَغَضُّ الْبَصَرِ يَسُدُّ عَنْهُ هَذَا الْبَابَ، الَّذِي عَجَزَتْ الْمُلُوكُ عَنْ اسْتِيفَاءِ أَغْرَاضِهِمْ فِيهِ، وَفِيهِ غَضَبُ رَبِّ الْأَرْبَابِ . "التَّاسِعَةُ " أَنَّهُ يُقَوِّي عَقْلَهُ وَيُثَبِّتُهُ وَيَزِيدُهُ، فَإِرْسَالُ الْبَصَرِ لَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ قِلَّةٍ فِي الْعَقْلِ، وَطَيْشٍ فِي اللُّبِّ، وَخَوَرٍ فِي الْقَلْبِ، وَعَدَمِ مُلَاحَظَةٍ لِلْعَوَاقِبِ، فَإِنَّ خَاصَّةَ الْعَقْلِ مُلَاحَظَةُ الْعَوَاقِبِ، وَمُرْسِلُ الطَّرْفِ لَوْ عَلِمَ مَا تَجْنِي عَوَاقِبُ طَرْفِهِ عَلَيْهِ لَمَا أَطْلَقَ بَصَرَهُ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَعْقَلُ النَّاسِ مَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ سَبَبًا حَتَّى يُفَكِّرَ مَا تَجْنِي عَوَاقِبُهُ. "الْعَاشِرَةُ " أَنَّهُ يُخَلِّصُ الْقَلْبَ مِنْ سَكْرَةِ الشَّهْوَةِ وَرَقْدَةِ الْغَفْلَةِ، فَإِنَّ إطْلَاقَ الْبَصَرِ يُوجِبُ اسْتِحْكَامَ الْغَفْلَةِ عَنْ اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَيُوقِعُ فِي سَكْرَةِ الْعِشْقِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي عُشَّاقِ الصُّوَرِ "لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ " فَالنَّظْرَةُ كَأْسٌ مِنْ خَمْرٍ، وَالْعِشْقُ سُكْرُ ذَلِكَ الشَّرَابِ . وَآفَاتُ الْعِشْقِ تَكَادُ تُقَارِبُ الشِّرْكَ، فَإِنَّ الْعِشْقَ يَتَعَبَّدُ الْقَلْبَ الَّذِي هُوَ بَيْتُ الرَّبِّ لِلْمَعْشُوقِ . وَفَوَائِدُ غَضِّ الْبَصَرِ وَآفَاتِ إطْلَاقِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ . وَقَدْ عَلِمْت الْفَوَائِدَ وَالْآفَاتِ فِي ضِمْنِهَا، فَمَا مِنْ فَائِدَةٍ إلَّا تَرْكُهَا آفَةٌ وَمَفْسَدَةٌ . وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قُلْت لِأَحْمَدَ رضي الله عنه: الرَّجُلُ يَنْظُرُ إلَى الْمَمْلُوكَةِ؟ قَالَ أَخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةَ، كَمْ نَظْرَةٍ أَلْقَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا الْبَلَابِلَ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: الشَّيْطَانُ مِنْ الرَّجُلِ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي بَصَرِهِ وَقَلْبِهِ وَذَكَرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمَرْأَةِ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي بَصَرِهَا وَقَلْبِهَا وَعَجُزِهَا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . | |
|