آداب العالم والمتعلم :
{ مقدمة في الأدب } : قال ابن المبارك رحمه الله : نحن إلى قليلٍ منَ الأدب أحوج منا إلى كثيرٍ من العلم . وقال : من تهاون بالآداب عُوقِبَ بحرمان السُّنن ، ومن تهاون بالسُّنن عُوقِب بحرمان الفرائض ، ومن تهاون بالفرائض عُوقب بحرمان المعرفة . وقال الشيخ أبو علي الدقاق : ترك الأدب يوجب الطرد ، فمن أساء الأدبَ على البساط رُدَّ إلى الباب ، ومن أساء الأدب على الباب رُد إلى سياسة الدواب . قال بعـضهم لابنه : يا بُني ، لأن تـتعلم باباً من الآداب أحبُّ إليَّ من أن تتعلم سبعين باباً من أبواب العلم
وكان الإمام الشافعي رحمه الله يقول : قال لي مالك رحمه الله : يا محمد ، اجعل
عِلمك مِلحـاً وأدبكَ دقيقـاً . وقال عبد الرحمن بن القاسم : خدمت الإمام مالكاً عشرين سنة ، فكان منها سنـتان في العلم وثماني عشر سنة في تعلُّم الأدب ، فيا ليتني جعلت المدة كلها أدباً . قيل : إذا جمع المعلِّم ثلاثاً تـمت النعمة بها على المتعلم : الصبر ـــ والتواضع ـــ وحسن الخُلق ، وإذا جمع المتعلم ثلاثاً تمت النعمة بها على المعلم : العقل والأدب وحُسنَ الفهم . من ( الأحياء ) .
{ آداب العالـم } : قال الإمام الحداد : لا يـجد العالم لذة العلم حتى يُهذِّبَ نفسهُ وأخلاقه ويستـقيم على الكتاب والسنة ، ويرمي بالرياسة تحت قدمه الإنصاف : فمن آدابه : الإنصاف ، قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله : من بركة العلم وآدابه : الإنصاف . وقال الإمام مالك رحمه الله : ما في زماننا أقلُّ من الإنصاف . ومِن أمثلة الإنصاف : أن امرأة ردت على عمر ونبهته على الحق وهوَ في خطبتـه على ملأٍ من الناس ، فقال : امرأة أصابت وأخطأ رجل . وسأل رجلٌ علياً كرم الله وجـهه فأجاب ، فقال الرجل : ليس كذلك يا أمير المؤمنين ، ولكن كذا وكذا ، فقال سيدنا علي : أصبتَ وأخطأتُ وفوق كلِّ ذي عِلمٍ عليم نقله من ( الإحياء ) .
قول ( لا أدري ) أو ( الله أعلم ) : ومن آدابه أن يقول : ( لا أدري ) أو ( الله أعلم ) إذا سُئِلَ عما لا يعلم ، فـقد رويَ في الأثر عن ابن عمر رضي الله عنهما قوله : ( العلم ثلاثة : كتاب ناطق ، وسنة ماضية ، ولا أدري ) أخرجه الطبراني في الأوسط . قال الإمام النووي رحمه الله : مِن عِلمِ العالم أن يقول فيما لا يعلم : لا أعلم أو الله أعلم . وقال أيضاً : اعلم أن معتـقد المُحـقـقين أنَّ قول العالمِ : ( لا أدري ) لا يضع منزلتـه ، بل هو دليلٌ على عِظَمِ محلِّه وتقواه وكمال معرفـته ؛ لأن المتمكن لا يضرُّه عدم معرفته مسائل معدودة ، بل يُستدل على قوله : ( لا أدري ) على تقواه وأنه لا يُـجازف في فتواه . من مُقدمة ( شرح المهذب ) . قال سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : ( وأبردها على كبدي ) ! ثلاث مرات ، قالوا وما ذاك يا أمير المؤمنين ؟ قال : أن يسأل الرجل عما لا يعلم فيقول : الله أعلم . التورع عن الفُتيا : من آدابه ، رُوينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : أدركت مئة وعشرين من أصحاب رسول الله يُسألُ أحدهم عن المسألة ، فيردُّها هذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول . وعن ابن مسعود وابن عباس : من أفتى عن كل ما يُسأل فهو مجنون . وكان الإمام مالك رحمه الله يقول : من أجاب في مسألةٍ فينبغي قبل الجواب أن يعرِض نفسه على الجنة والنار وكيف خلاصه ، ثم يُـجيب . وقال : ما أفتيتُ حتى شهدَ لي سبعون أني أهلاً لذلك . من مقدمة ( شرح المهذب ) . قال سيدنا الإمام العلامة الوجيه عبد الله بن حسين بلفقيه في مقدمة كتابه ( مطلب الإيقاظ ) : وليتذكر الموفق بما ورد عن المختار في قوله ( أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار ) وليتأمل أحوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الدين وتحريهم في الفتوى مع أمكنية أقدامهم في العلوم ، وقوة اجتهادهم ، وبُعدهم عن الهوى ، حتى رُوي عن الإمام مالك رحمه الله أنه أجاب على أربع مسائل من نحو أربعين مسألة ، قال في البواقي : الله أعلم . التَّرفع عن الدنيا : ومن آداب العالم أن يكون شريف النفس ، مُرتفعاً عن الجبابرة وأبناء الدنيا . قال ابن مسعود : لو أن أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله سادوا به أهل زمانِهم ، ولكن بذلوه لأهل الدنيا لينالوا من دنياهم فهانوا على أهلها . وعن ربيعة الرأي رحمه الله قال : ( لا ينبغي لأحدٍ عنده شئٌ من العلم أن يُضيِّـعَ نفْسـهُ ) قال الحافظ ابن حجر : ومراد ربيعة : أن من كان فيه فهمٌ وقابلية للعلم لا ينبغي له أن يُهمِلَ نفسهُ فيترك الاشتغال ، لئلا يؤدي ذلك إلى رفع العلم ، أو مراده : الحث على نشر العلم في أهله لئلا يموت العالم قبل ذلك فيؤدي إلى رفع العلم ، أو مراده : أن يُشهِر العالم نفسه ويتصدى للأخذ عنه لئلا يضيع علمه ، وقيل مراده : تعظيم العلم وتوقيره ، فلا يُهينَ نفسهُ بأن يـجعله عرضـاً للدنيا . وعن عمر بن الخطاب : أنه قال لعبد الله بن سلام r : من أرباب العلم ؟ قال : الذين يعملون ، قال : فما ينفي العلم من صدور العلماء ؟ قال : الطمع . وقال الحسن البصري رحمه الله : عقوبة العلماء موت القلوب ، وموت القلوب طلب الدنيا بعمل الآخرة .
وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله : من حملَ القرآن ثم مال بقلبه إلى الدنيا فقد اتـخذ آيات الله هزوا ولعباً . ذكر الإمام الغزالي : أن العالم الذي هو من أبناء الدنيا أخس حالاً وأشد عذاباً من الجاهل . التواضع : ومن آدابه أن يتواضع لله في سره وعلانيتـه ويحترس من نفسه . عن الفُضيل بن عياض رحمه الله : إن الله يحب العالم المتواضع ويبغض العالم الجبار ، ومن تواضع لله عز وجل ورَّثهُ الحكمة . وقال الإمام النووي رحمه الله : وقد كان كثيرون من السلف يستفيدون من تلامذتهم ما ليس عندهم . وثبت أن رسول الله r قرأ : لم يكن الذين كفروا على اُبي بن كعب ، وقال ( أمرني الله أن أقرأ عليك ) ، فاستنبط العلماء من ذلك فوائد : منها بيان التواضع ، وأن الفاضل لا يمتنع من القراءة على المفضول . وقال سعيد بن جُبير : لا يزال الرجل عالماً ما تعلم ، فإذا ترك التعلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون . ومن أثناء كلام لسيدنا الإمام الهُمام محمد بن زين بن سميط : أن من قهر نفسه وقبِلَ الحق ممن جاء به فقد تواضع للحق وأنصف ، وهذه صفة الطالب الصادق يقبل الفائدة ممن كانت وأينما كانت وعند من كانت ، ولا يـجعل الفائدة المطلوبة وقفاً على أحدٍ من الناس دون أحد . رويَ أن نبي الله سليمان كان مع ما أعطيَ من المُلك لا يرفع بصره إلى السماء تـخشُّعاً وتواضعاً لله تعالى ، وكان يُطعم الناس لذائذ الأطعمة ، ويأكل خبز الشعير ، وكانت العجوز تعترضه وهو على الريح مع جنوده فيأمر الريح فتـقف فينظر في حاجتها . ذكر ذلك القاضي عياض في ( الشفاء ) .
ترك المِراء والجدال : من آدابه ، قال الإمام الشافعي رحمه الله : سمعت سفيان بن عيـينة يقول : إن العالِـم لا يُماري ولا يُداري ، ينشر حكمة الله ، فإن قُبلت حمد الله ، وإن رُدت حمد الله . وعن سيدنا الإمام الحداد : من شأن أهلِ الحق ترك الجدل ، وإن جادلوا فبكلمة واحدة ، لقوله تعالى ولا تُجادلوا أهل الكتب إلا بالتي هي أحسن . الرفق بطلبة العلم : من آدابه ، قال الإمام النووي رحمه الله في مقدمة ( شرح المهذب ) : يُستحب للمعلم أن يرفق بالطالب ويُـحسِن إليه ما أمكنه ، فقد روى الترمذي عن أبي هارون العبدي قال : كنا نأتي أبا سعيد الخدري فيقول : مرحباً بوصية رسول الله r ، إن النبي r قال : ( إن الناس لكم تبع ، وإن رجالاً يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين ، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيراً ) أخرجه الترمذي وابن ماجه . قال سيدنا الإمام الحداد : إنا لا نُحبُّ أن نُحيِّر الطالب ، بل نُعطيه على قدره ـ وترى أقواماً يُطيلون على المبتدئين ويُحيرونهم حتى يملوا ، وعِلمان لا نأمن متـفـقهة الزمان عليهما : عِلم الحقائق و عِلم الخلاف بين الأئمة . من تـثبيت الفؤاد . وقال نفع الله به : ينبغي في هذا الزمان أن المطلوب هو الذي يُدوِّر للطالب ولو هوَ خالف ما عليه السلف ، ليحـصل لهُ التذكر ، لأنهُ لولا المُذاكرة نسي ، ولأجل الثواب .
{ آداب المتـعـلم في طلب العلم } :
طهارة القلب والتخـلي عن المُخالفات : من آدابه ، قال الإمام النووي رحمه الله في مُقدمة ( شرح المهذب ) : ينبغي للمتعلم أن يُطهر قلبه من الأدناس ، ليصلُح لقبول العلم وحفظِه واستـثماره . ففي الصحيحين عن رسول الله r : ( إن في الجسد مُضغة إذا صلُحت صلُح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ) . قال سيدنا الإمام الحداد نفع الله به : لو جئت بوعاءٍ وسخ لرجلٍ منه تريد منه سمناً أو عسلاً أو نحو ذلك قال لك : رح اغسله أولاً ، وهذا في أمور الدنيا ، فكيف توضع الأسرار في القلوب الوسخة ؟ أو كما قال . وروي أنه لما قدم الشافعي على مالك رحمهما الله وقرأ عليه الموطأ حِفظاً فأعجبته قراءته ولازمه ، قال له مالك : يا محمد اتق الله واجـتنب المعاصي فإنه سيكون لك شأن ، وفي رواية أنه قال : إن الله عز وجل قد ألقى على قلبك نوراً ، فلا تُطفئهُ بالمعاصي . وكان الإمام الشافعي رحمه الله يقول :
شكوت إلى وكيعٍ سوءَ حـفظي فأرشدنـي إلى تـرك المعاصي
وأخــبــرنـي بـأن الـعـلـم نـورٌ ونـورُ اللهِ لا يُهدى لِعاصـي
وقال سهل بن عبد الله التستري نفع الله به : حرام على قلبٍ أن يدخلهُ النور وفيه شىءٌ مـما يكره الله عزَّ وجل .
الإخلاص لله في تعلم العلم : واعلم أنه لا بد لطالب العلم من حُسنِ النية في تعلم العلم ، إذ النية هي الأصل في جميع الأفعال ، لقوله r : ( إنما الأعمال بالنيات ) فينبغي أن يقصد به وجه الله والعمل به ، وإحياء الشريعة ، والقُرب من الله وطلب رضاه ، وإزالة الجهل عن نفسه وعن سائر الجُهال ، وإحياء الدين وإبقاء الإسلام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من نـفسه ومِن الغير بـقدر الإمكان . التواضع وخدمة العلماء : وينبغي : لطالب العلم أن لا يُذلَّ نفسه بالطمع ، ويَـحـترز عن التكبر ، قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : لا يَطلبُ أحدٌ هذا العلم بالمُلكِ وعزِّ النـفْس فيُفلِح ، ولكن من طلبه بذلِّ النفس وضيق العيش وخدمة العلماء أفلح . وفي الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ذلَلتُ طالباً فعززتُ مطلوباً . وقد كان يذهب إلى بيت أُبي بن كعب فيجد بابه تارةً مفتوحاً فيأذن له في الدخول سريعاً ، وتارةً مغلوقاً فيستحي أن يطرُق عليه الباب ، فيمكثُ حتى ربما مضى عليه أكثر النهار وهو جالس على باب الدار والريح تُسِفُّ عليه التراب ، إلى أن يصير لا يُعرفُ من كثرة الغبار الذي علِقَ ببدنهِ وثيابه ، فيخرج أُبي فيراهُ في تلك الحالة ، فيعظم عليه ، فيقول : لم لا استأذنت ؟ فيعتذر له بالحياء منه . ووقع له معه أن أُبياً أراد الركوب يوماً ، فأخذ ابن عباس بِركابه حتى ركب ثم سار معه ، فقال : ما هذا يا ابن عباس ؟ فقال : هكذا أُمِرنا بتعظيم علمائنا ، وأُبي راكباً وابن عباس ماشياً بإزاءِ مركوبِ أُبي فلما نزل أُبيٌّ قبَّلَ يد بن عباس ، فقال له : ما هذا ؟ فقال : هكذا أُمِرنا بتعظيم أهلِ بيتِ نبينا r . وعن سفيان بن عيينة رحمه الله قال : قرأت القرآن وأنا ابن أربع سنين ، وكتبت الحديث وأنا ابن سبع سنين ، ولما بلغت خمس عشرة سنة قال لي أبي : يا بُني قد انقطعت عنك شرائع الصبا ، فاختلِط بالخير تكن من أهلهِ ، واعلم أنه لن يُسعد بالعلماء إلا من أطاعهم ، فأطعهم تُسعد ، واخدمهم تقتبس من عِلمهم ، فجعلتُ أميلُ إلى وصية أبي ولا أعدِل عنها . نقله النووي في تـهذيـبه . ومن كلام سيدنا الإمام جعفر الصادق : أربعٌ ل ينبغي للشريف أن يأنفَ منها : قيامهُ من مجلسهِ لأبيه ، وخدمتُه لضيفه ، وقيامُهُ على دابته ، وخدمته لمن يتعلم منه . وعن مُجاهد رحمه الله تعالى قال : لا يتعلم العلم مُستحي ولا مسُتكبر .
التماس الفائدة حيث كانت : قال سيدنا الإمام عيدروس بن عُمر الحبشي نفع الله به : ينبغي للسالك أن يأخذ الفائدة العلمية والآداب الحسنة الشرعية من حيث وجدها : من قريبٍ أو بعيدٍ أو رفيعٍ أو وضيعٍ أو ظاهرٍ أو خاملٍ ، ولا يتقيد بقيدِ الرعونة والعادة ، وتـمنعه نفسه من التلقي مـمن لا يكون له ذكرٌ ولا شهرةٌ ولا صيت ، فإن فاعل هذا من الجاهلين الغافلين عما ورد في الخبر : ( الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها التقطها ) ، وعما قال بعض أهل الحكمة : انظر إلى ما قال ، ولا تنظر إلى من قال . وقال سيدنا الإمام الحداد : لا يُفتح على أحدٍ في العلم حتى يطلبه ويعتقد أنه خليٌ منه ؛ لأن المظاهر الدنيوية قد تنقص من المظاهر الأُخروية . التخفف من الطعام والمنام : قال سحنون رحمه الله : لا يصلح العلم لمن يأكل حتى يشبع . ومن حكمة لقمان الحكيم : يا بني : إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة ، وخرست الحكمة ، وقعدت الأعضاء عن العبادة وعن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قال : ما شبعت منذ ست عشرة سنةً إلا شبعةً طرحتها منذ ساعتي ؛ لأن الشبع يُثقل البدن و يُقسي القلب و يُزيل الفطنة و يجلِب النوم و يُضعف صاحبه عن العبادة نقله من حلية الأولياء . وقال عمر بن الخطاب : إياكم والبِطنة في الطعام والشراب ؛ فإنها مفسدةٌ للجسد ، مَورَثةٌ للفشل ، مَكسلةٌ عن الصلاة ، وعليكم بالقصد فيهما ، فإنه أصلح للجسد وأبعد عن السَّرف ، وإن الله ليبغض الحبر السمين . رواه أبو نعيم في ( الطب النبوي ) ، نقله في ( كشف الخفاء ) .
{ آداب المتعلم مع معلمه } : جاء في الأثر : ( تعلموا العلم ، وتعلموا للعلم السكينة والوقار ، وتواضعوا لِمن تتعلمون منه ) أخرجه الطبراني في الأوسط وابن عدي في الكامل . قال الإمام النووي رحمه الله : ينبغي للمتعلم أن يتواضع لِمُعلمه ويتأدبَ معه ، وإن كان أصغرَ منهُ سِناً وأقلَّ منهُ شهرةً ونسباً وصلاحاً ، فبِتواضعهِ يُدرك العلم ، وقد قالوا نـظماً :
العِلم حـربٌ للفـتـى المُتعـالي كالسيلِ حربٌ للمكان العالي
وقال سيدنا الإمام علي بن حسن العطاس نفع الله به : إن المحصولَ من العلم والفهم والنور ، على قدر الأدب مع الشيخ ، وعلى قدر ما يكون كِبَرُ مِقدارهِ عندكَ يكون ُ لك ذلك المقدار عند الله من غير شك . وكان الأمين والمأمون : ابنا هارون الرشيد يتبادران نعلي شيخهما الكسائي أيهما يُلبسهُ إياهما ، فيقولُ لهما عند ذلك : لكل واحدٍ واحدة . وقد روي في الحديث : ( آباؤكَ ثلاثة : أبوك الذي ولدك ، والذي زوَّجك ابنـته ، والذي علَّمك ، وهوَ أفضلهم )
وفي ذلك يقول القائل :
أُقـدِّمُ أسـتـاذي علـى بِــرِّ والدي وإن كان لي من والدي البِرُّ والعطفُ
فهذا مُربـي الروحِ والروحُ جوهرٌ وهذا مُربـي الجسمِ وهوَ لها صدْفُ
وكان أبو حنيفة يقول : ما صليتُ صلاةً منذُ مات حماد ـــ يعني شيخه ـــ إلا استغفرت له مع والدي ، وإني لأستغفر لمن تعلمت منه عِلماً أو علَّمته . وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : كنتُ أتصفح الورقة بين يدي مالك رحمه الله صفحاً رقيقاً هيبةً لهُ لئلا يسمع وقعها . وقال الربيع صاحب الشافعي رضي الله عنهما : ما اجترأتُ أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليَّ هيبةً لهُ . قال الإمام الشعراني رحمهُ الله تعالى : بلغنا عن الإمام النووي رحمه الله أنهُ دعاهُ يوماً شيخه الكمال الإربلي ليأكل معه ، فقال : يا سيدي أعفني من ذلك فإن لي عُذراً شرعياً فتركه ، فسأله بعض إخوانه : ما ذلك العذر ؟ فقال : أخافُ أن تسبقَ عين شيخي إلى لُقمةٍ فآكلها وأنا لا أشعر . رويَ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال : من حق المعلم عليك أن تسلم على الناس عامةً وتـخصهُ دونهم بتحية ، وأن تجلس أمامه ، ولا تُشيرنَّ عنده بيدك ، ولا تغمزنَّ بعينيك ، ولا تقولنَّ : قال فلان خلاف ما تقول ، ولا تغتابنَّ عندهُ أحداً ، ولا تُشاوِر جليسكَ في مجلسهِ ، ولا تأخذ بثوبهِ إذا قام ، ولا تُلحَّ عليهِ إذا كَسل ، ولا تُعرِض أي : لا تشبع من طول صحبته . ذكر ذلك الإمام النووي في كتابه ( التبيان ) . وقال أبو سهل الصعلوكي رحمه الله : عقوق الوالدين تـمحوهُ التوبة ، وعقوق الأستاذين لا يمحوهُ شئ البتة . نقلهُ النووي في ( تهذيبه ) . وكان سيدنا الإمام أحمد بن عمر الهندوان يقول : إنما حُرموا العلم لقلة احترامهم لأهل العلم .