بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة بقلم حفيد المؤلف: الدكتورمحمد حمزة بن علي الكتاني:الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد؛ فهذه ثلاث رسائل لجدنا وشيخنا محدث الحرمين الشريفين أبي علي محمد المنتصر بالله بن محمد الزمزمي الكتاني الإدريسي الحسني، المتوفى رحمه الله تعالى في الرباط من بلاد المغرب الأقصى عام 1419/ 1999:
- خلود الإسلام.
- فلسطين إسلامية قبل أن تكون عربية.
- قيام إسرائيل نهاية اليهود.
كان ألقاها مولانا الجد – رحمه الله تعالى – في عدة مناسبات، وأمام ملأ من الناس، في المملكة العربية السعودية، بمكة المكرمة، والمدينة المنورة، وفي مصر بنادي الضباط وبجامعة القاهرة أيضا، ولكل منها مناسبة، ولكل منها سبب ووقت.
كما أن تلك المحاضرات، وإن كانت مرتجلة؛ فقد تكررت بتكرر إلقائها، غير أن كل مرة كانت بإضافات معينة، وبجوابات عن أسئلة مختلفة. وقد وضعنا هنا المحاضرات التي ألقيت في الحجاز، في نادي أحد بالمدينة المنورة، وبرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
أما المحاضرة الأولى؛ "خلود الإسلام": فهي محاضرة تتحدث عن استمرار عزة الإسلام، وثباته رغم تعاقب الأحداث، وتظاهر أعدائه بالقوة والسيطرة من وقت وحين، وقد رام المحاضر من خلالها رفع معنويات المسلمين، وتقوية شعور العزة والإباء فيهم، وطمأنتهم إلى أن النصر قادم لا محالة، بالرغم من مظاهر الذل والهوان التي نعيشها من عقود غابرة.
وأول ما يستلفت القاريء؛ أن المحاضر – رحمه الله – خاطب بهذه الكلمات أول من خاطب: النخبة السياسية المسلمة في مشارق الأرض ومغاربها، قال رحمه الله: "وأعْرِفُ الكثيرين مِنَ الزُّعَمَـاءِ والقادةِ يقولون وهم في رَكْبٍ غيرِ مُسْلِمٍ، وفي رَكْبِ الْكَفَرَةِ، يقولون: لَوْ نَعْلَمُ، لَوْ نَتَأَكَّدُ أَنَّ الْإِسْلَامَ سَيَعُودُ يَوْمًا، أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا تَزَالُ لَهُ وَظِيفَةٌ، لَا يَزَالُ لَهُ دَوْرٌ، لَكُنَّا جُنُودًا مُهَيَّئِينَ مُعَدِّينَ مُـحَصَّنِينَ لِلْقِتَالِ فِي سَبِيلِهِ وَالْقِيَامِ بِأَعْبَائِهِ، وَلَكِنَّنَا نَشُكُّ، أَوْ نَكَادُ نَجْزِمُ، بِأَنَّ الْإِسْلَامَ قَدِ انْقَرَضَ وَانْقَضَى، وَيَعِيشُ فِي أُخْرَيَاتِ أَيَّامِهِ".
إذ كان – رحمه الله – يعمل جهده في النصح لولاة أمر المسلمين، والعمل على مستوى القيادة من أجل إصلاح الأمة، طبقا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم فيما قاله في الحديث الصحيح: "الدين النصيحة". قالوا: "لمن يا رسول الله؟". قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم".
وقد اعتمد المؤلف – رحمه الله تعالى – أسلوبا منطقيا في ترتيب محاضرته، ذلك أنه ابتدأ بالاستشهاد بواقع تاريخ الأمة، وكيف ثبتت أمام الموجات العاتية، والصخب والتحديات الكبرى، لتنهض من جديد، ويذل أعداؤها في كل وقت وحين.
ثم يستشهد لذلك بالآيات القرآنية، معتمدا على تفاسير الصحابة والمجتهدين، معملا رأيه بسلوب تفسيري علمي، في تبيين المشتبه، وتصويب الأفكار العامة التي حتمها الواقع على مدارس التفسير ومناهجه تبعا لواقع الحال، وتبدل الزمان والمكان.
ثم يستشهد لنظريته بالأحاديث النبوية الصحيحة، التي يحللها تحليلا علميا ولغويا، وسياسيا واستراتيجيا، دامجا بين الحديث والقديم، وبين النبوءة والواقع، ليستشف المستقبل وما يستقبل الأمة من عزة ورفعة كما هو سنة الله تعالى فيها.
ولا شك أن الناظر للأمة الإسلامية هذا الزمان من حيث السياسة والأمور العامة؛ يجدها قد بلغت من الهوان والضعف ما لا يكيف ولا يتصور أصلا، ولكن من رأى بعين أخرى من حيث الانتشار في العالم، ووصول الدعوة إلى كل شبر في البسيطة، وأن الإسلام هو أول الأديان انتشارا؛ علم علما يقينا أن أمة الإسلام قد بلغت عزا لم تبلغه من قبل، ونشاطا وسعة يصدق به عليها الاصطفاء الذي بشر الله تعالى به في قوله: {كنتم – أي: في علم الله وما زلتم كذلك، ضرورة أن علم الله لا يتبدل – خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}. [آل عمران: 110].
والمحاضرة هذه لا تخلو من دقائق علمية فريدة، ونظريات فقهية وسياسية تجديدية، في مجال التاريخ، ومجال السياسة الشرعية، وغير ذلك، تعلم بالوقوف عليها، فهي حصيلة علم وجهاد، ودربة وخبرة طويلة مارسها المحاضر رحمه الله تعالى.
وهذه المحاضرة ألقيت تقريبا سنة 1389/ 1969، بعد نكسة احتلال القدس الشريف، وسيناء، وانهزام عبد الناصر في مصر الانهزام المخزي، وتأتي في المحاضرات اللاحقة إشارات مهمة لأسرار تلك الحروب الانهزامية.
أما المحاضرة الثانية؛ "فلسطين إسلامية قبل أن تكون عربية"؛ فهي محاضرة حافلة في قيمة فلسطين من الوجهة الإسلامية، تاريخا وواقعا، مع ما تضمنته من مباحث قيمة، وآراء صريحة حول مختلف القضايا المتعلقة بالهوية الإسلامية لفلسطين، وواقع فلسطين، ورأي المحاضر في معاهدة كامب ديفيد، وإدحاض الدعاوى اليهودية والنصرانية من أجل تهويد القدس وفلسطين، ثم حتمية رجوع فلسطين إن عاجلا أو آجلا لحضيرة الإسلام.
هذه المحاضرة ألقاها المؤلف – رحمه الله – مباشرة بعد اتفاقية "كامب ديفيد" سنة 1398/ 1978، تلك الاتفاقية التي أعلن صراحة رفضها ومحاربتها في مختلف المحافل والمنابر، وأنها خطر كبير على الإسلام والمسلمين في المنطقة، ومخالفة للمنطق الديني والسياسي، وأن البديل عنها في الظروف الحالية هو المهادنة لا الصلح، ما يدل على نظرة عميقة واقعية، وتشخص نافذ للمحاضر رحمه الله تعالى.
كما تحدث عن دور النصارى في إعانة اليهود على المسلمين في احتلال فلسطين، وسعيهم في بناء الهيكل المزعوم في محل الحرم الأقصا الشريف، والجهد الكبير الذي بذله وزير الخارجية البريطاني البائد "بلفورد" من أجل تجميع اليهود من مختلف بقاع العالم وإنشاء دولة إسرائيل على أرض فلسطين.
وقد سخر المحاضر في محاضرته هذه مختلف معلوماته التاريخية والفقهية، ونظرياته السياسية والعلمية فيما يعود لأحكام أهل الذمة، والتصور العام للأمة، وما يجب أن يكون عليه واقعها من مختلف النواحي.
وبمناسبة الحديث عن فلسطين؛ فقد كان للمحاضر – رحمه الله – دور كبير في مساعدة الجهاد الفلسطيني تنظيما وتمويلا، ونصرة سياسية وتعبوية، بل تطوع في سوريا حين كان أستاذا بجامعة دمشق، ورئيسا لقسم علوم التفسير والحديث والفقه بعموم كلياتها، في جيش التحرير الذي كان مفترضا أن يشارك في تحرير فلسطين في الستينيات من القرن الميلادي المنصرم. كما كانت له علاقات واسعة مع مختلف الفصائل الفلسطينية المجاهدة، خاصة بالحاج أمين الحسيني مفتي القدس رحمه الله تعالى.
أما المحاضرة الثالثة؛ "قيام إسرائيل نهاية اليهود". فهي محاضرة ألقاها الإمام محمد المنتصر بالله الكتاني بعد سنة 1973، أي: بعد انتصار المصريين على اليهود في حرب 6 أكتوبر الشهيرة، وهي محاضرة شهيرة تدور على تفسير الآيات الأولى من سورة الإسراء، والمتحدثة عن إفسادي بني إسرائيل الأول والثاني، وأن ظهور دولة إسرائيل هي بداية نهاية اليهود، مستشهدا في ذلك بآيات وأحاديث بالغة الدقة والدلالة، يكاد يكون أول من فتق عن معماها، وأظهر نبوءتها بأسلوب علمي منطقي موسوعي رزين.
فالمحاضرة تدور على: هل ذكرت دولة بني إسرائيل في الكتاب والسنة أم لا؟.
فيستعرض المحاضر - رحمه الله تعالى - تاريخ اليهود مع الإسلام، وخطورتهم وأفاعيلهم في القرن الأول، بل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم في صدر الإسلام، ثم يتحدث عن وعد التوراة لهم بفلسطين، ولكنهم سيُجمعون من أصقاع الأرض للنهاية لا للعز!.
ثم يستعرض الآيات القرآنية التي ذكرت قيام دولة إسرائيل آخر الزمان، وهي الآيات الخمس الأولى من سورة الإسراء، مع الآية 104 من آخر السورة، مركزا على الوحدة الموضوعية لسور القرآن، وهو مبحث مهم من مباحث تناسب الآيات والسور.
-يتبع-