يحرم على المسلم أن يبيع سلعةً معيبةً وهو يعلم ويكتم العيب، ومن فعل ذلك فهو آثمٌ عاصٍ غاشٌ وتاركٌ للنصح في معاملته مع الناس، وقد ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم( مرََّ على صُبرة طعام- كومة -فأدخل يده فيها، فنالت أصابعُه بللاً، فقال صلى اللّه عليه وسلم ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال أصابته السماء يا رسول الله، أي المطر. قال:أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشنا فليس مني) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم( من غشنا فليس منا). قال الإمام النووي ومعناه ليس ممن اهتدى بهديي واقتدى بعلمي وعملي وحسن طريقتي، كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله لست مني وهكذا في نظائره، مثل قوله صلى اللّه عليه وسلم(من حمل علينا السلاح فليس منا)، وكان سفيان بن عيينة يكره تفسير مثل هذا ويقول بئس مثل القول، بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر] وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار ) رواه ابن حبان والطبراني،.وعن عبد المجيد بن وهب قال( قال لي العداء بن خالد بن هوذة ألا أقرئك كتاباً كتبه لي رسول الله صلى اللّه عليه وسلم؟ قال قلت بلى، فأخرج لي كتاباً هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد صلى اللّه عليه وسلم، اشترى منه عبداً أو أمة لا داءَ ولا غائلةَ ولا خبثة، بيع المسلم للمسلم ) رواه الترمذي وحسّنه ورواه ابن ماجة، ورواه البخاري تعليقاً، والداء ما كان في الخَلق بالفتح، والخبثة ما كان في الخُلق بالضم، والغائلة سكوت البائع على ما يعلم من مكروه في المبيع. ومما يدل على وجوب تبيين العيب في السلعة ما ورد في الحديث عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم قال( المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم إذا باع من أخيه بيعاً فيه عيب أن لا يبينه ) رواه أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه.وعن أبي سباع قال[ اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، فلما خرجت بها أدركني رجل فقال اشتريت؟ قلت نعم. قال وبيَّن لك ما فيها. قلت: وما فيها؟ إنها لسمينة ظاهرة الصحة. قال أردتَ بها سفراً أو أردتَ بها لحماً؟ قلت أردتُ بها الحج. قال ارتجعها فإن بخفها نقباً. فقال صاحبها ما أردت إلى هذا أصلحك الله تفسد عليَّ. قال إني سمعت رسول صلى اللّه عليه وسلم يقول لا يحل لأحد أن يبيع شيئاً إلا بين ما فيه ولا يحل لمن علم ذلك إلا بينه) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وثبت في الصحيح عن حكيم بن حزام رضي الله عنه (أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو قال حتى يفترقا، فإن صدقا وبينا، بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)، قال الإمام الشوكاني[ قوله (فإن صدقا وبينا) أي صدق البائع في إخبار المشتري وبين العيب إن كان في السلعة، وصدق المشتري في قدر الثمن وبين العيب إن كان في الثمن، ويحتمل أن يكون الصدق والبيان بمعنى واحد وذكر أحدهما تأكيداً للآخر]
قال ابن رشد الجد[ فلا يحل لامرئٍ مسلمٍ أن يبيع سلعةً من السلع أو داراً أو عقاراً أو ذهباً أو فضةً أو شيئاً من الأشياء - وهو يعلم فيه عيباً قلَّ أو كثر - حتى يبين ذلك لمبتاعه، ويقفه عليه وقفاً يكون علمه به كعلمه، فإن لم يفعل ذلك وكتمه العيب وغشه بذلك لم يزل في مقت الله ولعنة ملائكة
روى الإمام مالك في الموطأ أن عبد الله بن عمر باع غلاماً له بثمانمائة درهم وباعه بالبراءة, فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر بالغلام داءٌ لم تسمِّه لي, فاختصما إلى عثمان بن عفان فقال الرجل باعني عبداً وبه داء لم يسمِّه, وقال عبد الله بعته بالبراءة, فقضى عثمان بن عفان على عبد الله بن عمر أن يحلف له لقد باعه العبد وما به داءٌ يعلمه. فأبى عبد الله أن يحلف وارتجع العبد فصح عنده فباعه عبد الله بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم. ورواه أيضاً البيهقي في السنن الكبرى وعبد الرزاق في المصنف،