مصطفى الجعفرى المراقبيين
عدد المساهمات : 352 تاريخ التسجيل : 22/01/2009 العمر : 36 الموقع : mohamedyehya.page.tl
| موضوع: عهود الطريقة الكتانية الإثنين يناير 26, 2009 10:55 am | |
| عهود الطريقة الكتانية
ويقول الشيخ الإمام سيدي محمد بن عبد الكبير الكتاني في إحدى رسائله الشهيرة عن هذه العهود:
أما بعد، فإنا نعهد لكم عهودا من حافظ عليها فله ما لنا وعليه ما علينا وهي:
العهد الأول :
حفظ الرابطة الإخائية والمودة الإيمانية مع بعضكم بعضا، بحيث تجعلون جميعكم نفسا واحدة، قائمة بذات واحدة، ولينظر كل واحد منكم هذا المنظر ربما تحصل منه نتائج الإخلال بها، هو الذي أوصل المعالم الإسلامية لهذا الحدّ في جميع معمور الأرض، فكيف وتجد الجمع مجتمعا وهو يصدق عليه قول العالم الخبير: ]تَحْسبُهُم جميعاً وقلوبهم شتى[ (30). وما شرع جلّ ثناؤه الجماعة والجُمعة والأعياد، وصلاة الكسوف، والاستسقاء، والموسم الأكبر بعرفة إلا للأُلفة والائتلاف، وحسن التآخي، ولطف تحكيم الروابط الدينية حتى تأتلف القلوب على محبة الدين وأهله والتشرف بالتلبُّس بشعائره، والقيام بوظائفه، ومنه يَسْري الأمانُ منا لبعضنا بعضا فلا يشتمُ البعضُ منا البعض ولا ننمُّ عليه، ولا نغُشّه، ونغضُّ الجفون على مساوئ بعضنا بعضاً، فلا نطمح إلاّ لمحاسن بعضنا بعضا وذكرها ونشرها، وبذلك ينتظمُ شمل الأخوة الإسلامية، ويدومُ التعاضُدُ والترقي في المعارج التي تُنتج رضوانَ الله الأكبرَ، وتُنتج رِضى الخلق أيضا، فإنما شرع سبحانه الشرائع ليَسْتُرَ قبائحنا ومَساويَنا ولو علمنا سرَّ مشروعيتها، لأننا إذا امتثلناها قامت بنا المحامد واجتَنَبْنا المذام، وبذلك يحصُل قصدُ الشارع.
على نفسْه فلْيبْكِ من ضـاعَ عُمْرُه وليس لـه منها نصيبٌ ولا سَهْمٌ
——————————————— (30) – سورة الحشر – الآية 14.
العهد الثاني :
عدم إيقاع الصلاة إلا بزاويتكم، فإنّ أغلبَ الأئمة لا يُحْسنون قراءة الفاتحة، ويَجْعلونَها ثلاثَ آيات مع أنها سبعة. ]ولقد آتيناكَ سَبْعا من المثاني[، وقليلً من يشُدُّ الياء من ]إيَّاكَ نعبد[، وقليلٌ مَنْ يُظْهر السين والتاء من ]المستقيم[ مع أن ذلك مُبْطلُ للصلاة على قول مشهور. قال في (المختصر) في سياق المُبطلات: "وهل بلاحنٍِ مُطْلَقاً أو في الفاتحة أو بغير مُمَيِّز بين ظاء وضاد خلاف". وأبطَلَ الشافعيةُ صلاة مَن خَفَّف الياءَ من "التحيَّاتُ لله" في التشهُّد، والحالُ أنها ليست قراءة. ومخارجُ الحروف قلَّتْ مُراعاتُها لعدم إتقان علم القراءات والأداء. وأيضا قوادحُ الشهادة والإمامة كثُرت في الناس. ولْتُراجعِ القوادحُ في (المختصَر) وشروح (التُّحفَة) و(التبصِرَة) لابن فرحون، وانظروا "الحطَّابَ" عند قوله: "أو فاسقاً بجارحة عطفاً على المُبطلات"، تعلموا وجوبَ التحرّي في الإمامة، ووجوبَ المتحرّي فيمَن يُصَلى خلفه، ولابد احضروا كتاب (الحطاب) واسردوه في هذا الموضوع. وأيضاً كثير من الناس يستعمل الغبرة المسماة بـ"التنفيحة"(31) وهي مُبطلة للوضوء والصلاة والصيام. وكل عمل ليس عليه عملنا فهو ردٌّ(32)، وكل مُحْدَثة بدْعة، وكلّ بِدْعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (33)، والعوائد وأهلها في النار.
——————————————— (31)- النشوق: نوع من التبغ يوضع في الأنف ينطبق عليه حكم الدخان. (32)– رواه ابن عبد البر في التمهيد 2/82 وابن حجر في الفتح 13/248 والقرطبي في تفسيره 1/358. (33)– رواه الإمام أحمد في المسند 3/371 والهيثمي في موارد الظمآن، والبيهقي في السنن الكبرى. سورة الحجر الآية 87
العهد الثالث :
الصلاة تكون سُنية كما رأيتمونا نصلّي في الزاوية الكبرى وعندكم، فلابد من عشر تسبيحات في الركوع والسجود فإنه أعلى ما يكفي. وفي الحديث: فمن قال ثلاث تسبيحات فقد تمَّ ركوعه وذلك أدناه أي أدنى الواجب، فإن نقص عن ثلاث تسبيحات فلا صلاة له.والمعدوم شرعاً كالمعدوم حسّاً. والهديُ النبويّ فيه عشر تسبيحات في الركوع والسجود، كما في سُنَن أبي داود.
وغـنِّ لي باسـم مَن أُحـبُّ ودَعْ لا أُبـالي وإن أصـابَ فؤادي كـلَّ في الوجود يرمي بسَهْمِه إنه لا يضـرُّ شيء مع اسْمِـه
وفي القرآن في جنب نبيّ الله عليه السلام: ]فلولاَ أنّه كان من المُسَبِّحين، لَلَبِثَ في بَطْنِه إلى يوم يُبْعَثون[ (34).
ومَن تكُن هَمُّهُ تَسْمُـو به الهِمَمُ يَقتَصًّ من جَفْنِه بالدّمع وهو دم وناظِر في سوى معناك حـقّ له والسَّمعُ إن جَالَ فيه من يُحدثه سوى حديثك أمسى وقره الصّمَم
——————————————— (34)– سورة الصافات – الآيتان 143-144.
العهد الرابع :
ألاّ تقوموا مسرعين إذا فرغتم من الصلاة فإنه أجمع أهل الظاهر وأهل الباطن على أنّ مِن علامةِ عدم قبول صلاة المصلّي قيامه مسرعاً إذا فرغ من الصلاة مع تفويته نفسه صلاة الملائكة عليهم السلام عليه. كما في الحديث: "الملائكة تُصلّي على أحدِكم ما دام في مُصَلاّه الذي صَلَّى فيه ما لم يُحدث تقول: اللّهم اغفر له، اللهم ارحَمْه"(35) ما لم يُحْدث أي ولو بالكلام في الدنيا. ودُعاء الملائكة مُستَجابٌ كما قيل في قوله سبحانه: ]لا تقْربوا الصلاة وأنتم سكارى[(36) (حتى بمحبّة الدنيا، وحبّ المحْمدةِ والجاه والرّياسة، وكلّ ما يُخِلُّ بكمال الحضور مع الله تعالى فهو سكرٌ يَمنع دخول حَضْرة الله الخاصّة).
——————————————— (35)- أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب الصلاة – باب الحدث في المسجد ص 95، الحديث 445. (36)– سورة النساء – الآية 43.
العهد الخامس:
عَدَمُ إهمال أوْرادِ الصلاة كلّها كلّ وقت وقت، فإنها أورادٌ نبويّة لها سر عظيم لا تُتْرك. ولا يعلم أدوية الأمراض التي في الذات إلاّ من خلق فيها الأمراض، والذي أنزلَ الدّاء هو الذي أنزل الدّواء سبحانه. ]فلْيَحْذَر الذينَ يُخالِفُون عَنْ أمْرِهِ أنْ تُصيبَهُمْ فِتْنةٌ أو يُصيبَهُم عذابٌ أليمٌ[ (37).
——————————————— (37)– سورة النور – الآية 63.
العهد السادس :
عدَمُ تَرْكِ المُذاكرة صباحاً ومساء بعد قراءة حِزْبَيْن من القرآن الشريف، تقع المذاكرة في العهود أو في كُتُبنا ولو لمدّة ثُلث ساعة، وكذا قُبَيْل الغُروب، فإنّ محلاً يحضُره الرّوح الأعظم جديرٌ أن يُعمر دائماً ويُتَعبّد في أرجائه. (وأما بين العشاءين فلا يُترك تدريس (رسالة) ابن أبي زيد القيرواني، فإنها تورث الغنَى، ويا ضَيْعةَ الأعمارِ تمشي سَبَهْلَلا.
العهد السابع :
لا تغفلوا عن أوراد الليل والنّهار، فإنّ فيها السّعادة الدّينية والدنيوية، فهي عمَل من طب لمن حبّ: "يا دُنيا اخْدمي من خَدَمَني، واتْعِبِي مَن خدَمَك".
العهد الثامن :
اتركوا الأوهام وسوء الظنون بالله تعالى ورسوله الكريم وأوليائه، فإن كان الإنسان معتقداً أنه على الحقّ فلْيَتْرُك البحرَ رهواً، ]ومن يَعتصم بالله فقد هُدِيَ إلى صراطٍ مُستقيم[(3. ]واعْتَصْمُوا بالله، هو مَوْلاكم، فَنِعْمَ المولَى ونِعْمَ النّصير[(39). ]واعْتَصموا بحبل الله جميعاً ولا تَفَرّقوا[(40). ]أن أقيموا الدّينَ ولا تَتفرَّقوا فيه[(41)، والدنيا بقوادها وعُمّالها وقُضاتِها وأُمَنَائِها، فعليكم بالله وحده. ]قل الله ثم ذَرْهُم في خَوْضِهِم يلْعبُون[(42).
——————————————— (3– سورة آل عمران – الآية 101. (39)– سورة الحج – الآية 78. (40)- سورة آل عمران – الآية 103. (41)- سورة الشورى – الآية 13. (42)- سورة الأنعام – الآية 91
العهد التاسع :
كل من عيّن له شُغل فلْيَلْزَمْه، ولا يبغ بعضكم على بعض، ولم تنتظم الزوايا إلاّ بهذا العمَل، لتستقيم الأحوال. وعجباً للنفس الأمارة تبغي على صاحبها إلى أن يصير الرئيس مرؤوساً. والمتبوع تصيّره تابعاً، وأيّ شيء هي الدنيا بحذافيرها حتى يقع تكدر الأخوة الدينية من أجلها، فكيف بما لا يُسمن ولا يُغني من جوع، وكيف يُعاب على الولاة عدم تنظيمهم لأحوال الرعية على اتساعها في الجملة، ولا تلومن أنفسكم على عدم قدرتكم على تنظيم زاويتكم، وهي أذرع، أو شؤون داركم وهي كذلك.
فالمراقبة رأس الأعمال، وحُسْن الأعمال، وروحُ الأعمال، وزين الأعمال، ومادة الأعمال، والعونُ على الأعمال، وعنوان قبول الأعمال، وهي أقوى عُرى الدين "أن تعبُد الله كأنك تراه، فإن لم تكُنْ تراه فإنه يراك"(43).
——————————————— (43)- أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل – الحديث 50.
العهد العاشر :
أن لا تتركوا أوراداً من القرآن الكريم إذا الأحبابُ فاتَهُم التلاقي، فما صلاة بأفضل من كتاب، والقرآن مرتع الأولين والآخرين، وفيه عجائب من قبلنا وخبرُ ما بعدنا، فكيف يُشْتغل بغيره، ]أو لم يكْفِهم أنَّا أنزلنا عليكَ الكتاب يُتْلى عليهم إنَّ في ذلك لرحمة وذِكرى لقوِم يُومنون[(44)، و]لقد صَرَّفنا للنّاس في هذا القرآن من كلِّ مثلٍ فأبى أكثرُ الناس إلاّ كُفوراً[(45).
——————————————— (44)- سورة العنكبوت – الآية 51. (45)- سورة الإسراء – الآية 89.
العهد الحادي عشر :
الهمزية والبردة اجتهدوا أن لا تترك فإن ذكر الكمالات المحمدية يطفئ غضب الجبار جل لطفه.
العهد الثاني عشر :
مكارمُ الأخلاق النبوية التي لا تصلُح الأمورُ إلاّ بها، وهي أن تصلوا من قطعكم، وتعفُوا عمَّن ظلمكم، وتُعطوا من حرمَكم، وتأمَّلوا وصف ]وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هَوْناً وإذا خاطَبهم الجاهلون قالوا سلاماً[(46) إلى آخر الآية. وقوله تعالى في وصف المؤمنين: ]قد أفلح الموُمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون..[(47) (إلى آخرها)، ووصف سورة التوبة ]التائبون.. [(4 (إلى آخر الآية)، فتفهموا معانيها وتدبّروا أسرارها، واطلبوه جلَّ إسمُه أن يُعينَكم على العمل بما فيها. ]فمن كان يرجوا لقاء ربّه فلْيَعملَ عملاً صالحاً ولا يُشْركْ بعبادة ربّه أحداً[(49).
——————————————— (46)- سورة الفرقان – الآية 63. (47- سورة المؤمنون – الآيتان 1-2. (4- سورة التوبة – الآية 112. (49)- سورة الكهف – الآية 110. | |
|