. .فيا إخواني ويا أحبابي رضي الله عنكم ، أَشهدكم عبد ضعيف مسكين فقير إلى الله تعالى في كل لحظة وطرفة ، وهو مؤلف هذا الكتاب ( الفتوحات المكية ) ومنشئه ، أشهدكم على نفسه بعد أن أشهد الله تعالى وملائكته ومن حضره من المؤمنين وسمعه ، أنه يشهد قولا وعقدا :
أن الله تعالى إله واحد لا ثاني له في ألوهيته ، منزه عن الصاحبة والولد ، مالك لا شريك له ، ملك لا وزير له ، صـانع لا مدبر معه ، موجود بذا ته من غير افتقـار إلى موجد يوجده ، بل كل موجود سـواه مفتقر إليه تعالى في وجـوده ، فالعـالم كله موجود به ، وهو وحـده متصف بالوجـود لنفسه ، لا افتتاح لوجوده ، ولانهاية لبقائه ، بل وجـوده مطلق غير مقيد ، قائم بنفسـه ، ليس بجوهر متحيز فيقدر له المكان ، ولا بعرض فيسـتحيل عليه البقاء ، ولا بجسم فتكون له الجهة و التلقاء ، مقدس عن الجهات والأقطار ، مرئي بالقلوب والأبصار إذا شاء ، استوى على عرشه كما قاله ، وعلى المعنى الذي أراده ، كما أن العرش وما سـواه به استوى ، وله الآخرة والأولى ، ليس له مثل معقول ، ولا دلت عليه العقول ، لا يحده زمان ، ولا يقله مكان ، بل كان ولا مكان ، وهو على ما عليه كان ، خلق المتمكن والمكان ، وأنشأ الزمان ، وقال : أنا الواحد الحي ، لا يؤوده حفظ المخلوقات ، ولا ترجع إليه صفة لم يكن عليها من صنعة المصنوعات ، تعالى أن تحله الحوادث أو يحلها ، أو تكون بعده أو يكون قبلها ، بل يقال : كان ولا شيء معه ، فإن القبل والبعد من صيغ الزمان الذي أبدعه ، فهو القيوم الذي لا ينام ، والقهار الذي لا يرام ، ليس كمثله شيء ، خلق العرش وجعله حد الاستواء ، وأنشأ الكرسي وأوسعه الأرض والسموات العلى ، اخترع اللوح والقلم الأعلى ، وأجراه كاتبا بعلمه في خلقه إلى يوم الفصل والقضاء ، أبدع العالم كله على غير مثال سبق ، وخلق الخلق وأخلق الذي خلق ، أنزل الأرواح في الأشباح أمناء ، وجعل هذه الأشباح المنزلة إليها الأرواح في الأرض خلفاء ، وسخر لنا ما في السموات وما في الأرض جميعا منه ، فلا تتحرك ذرة إلا إليه وعنه ، خلق الكل من غير حاجـة إليه ، ولا موجـب أوجب ذلك عليه ، لكن علمه سـبق بأن يخـلق ما خـلق ، فهو الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، وهو على كل شيء قدير ، أحاط بكل شيء علما ، وأحصى كل شيء عددا ، يعلم السر وأخفى ، يعلم خائنـة الأعين وما تخفي الصدور ، كيف لا يعلم شـيئا هو خلقه ؟( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )، علم الأشياء منها قبل وجودها ، ثم أوجدها على حد ما علمها ، فلم يزل عالما بالأشياء ، لم يتجدد له علم عند تجدد الإنشـاء ، بعلمه أتقن الأشـياء وأحكمها ، وبه حكم عليها من شـاء وحكمها ، علم الكليات على الإطلاق ، كما علم الجزئيات بإجماع من أهل النظر الصحيح واتفاق ، فهو عالم الغيب والشهادة ، فتعالى الله عما يشركون ،( فعال لما يريد ) ، فهو المريد للكائنات ، في عالم الأرض والسموات ، لم تتعلق قدرته بشيء حتى أراده ، كما أنه لم يرده حتى علمه ، إذ يسـتحيل في العقل أن يريد ما لا يعـلم ، أو يفعل المخـتار المتمكن من ترك ذلك الفعل ما لا يريد ، كما يستحيل أن توجد نسب هذه الحقائق في غير حي ، كما يستحيل أن تقوم الصفات بغير ذات موصوفة بها ، فما في الوجود طاعة ولا عصيان ، ولا ربح ولا خسران ، ولا عبد ولا حر ، ولا حياة ولا موت ، ولا حصول ولا فوت ، ولا نهار ولا ليل ، ولا اعتدال ولا ميل ، ولا بر ولا بحر ، ولا شفع ولا وتر ، ولا جوهر ولا عرض ، ولا صحة ولا مرض ، ولا فرح ولا ترح ، ولا روح ولا شبح ، ولا ظلام ولا ضياء ، ولا أرض ولا سماء ، ولا تركيب ولا تحليل ، ولا كثير ولا قليل ، ولا غداة ولا أصيل ، ولا بياض ولا سواد ، ولا رقاد ولا سهاد ، ولا ظاهر ولا باطن ، ولا متحرك ولا ساكن ، ولا يابس ولا رطب ، ولا قشر ولا لب ، ولا شيء من هذه النسب المتضادات منها والمختلفات والمتماثلات إلا وهو مراد للحق تعالى ، وكيف لا يكون مرادا له وهو أوجده ؟ فكيف يوجد المختار ما لا يريد ؟ لا رادّ لأمره ولا معقب لحكمه ، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ، ويعز من يشاء ويذل من يشاء ، ويضل من يشاء ويهدي من يشاء ، ما شـاء كان وما لم يشـأ أن يكون لم يكن ، لو اجتمع الخلائق كلهم على أن يريدوا شيئا لم يرد الله تعالى أن يريدوه ما أرادوه ، أو يفعلوا شيئا لم يرد الله تعالى إيجاده وأرادوه عندما أراد منهم أن يريدوه ما فعلوه ، ولا اسـتطاعوا على ذلك ولا أقدرهم عليه ، فالكفر والإيمان ، والطاعة والعصيان ، من مشـيئته وحكمه وإرادته ، ولم يزل سبحانه موصوفا بهـذه الإرادة أزلا ، والعالم معدوم غير موجود ، وإن كان ثابتـا في العلم في عينه ، ثم أوجـد العالم من غير تفكر ولا تدبر عن جهل أو عدم علم ، فيعطيه التفكر والتدبر علم ما جهل ، جل وعلا عن ذلك . . .
فهذه هي عقيدة ابن العربي التي أشهدنا عليها بعد إشهاد الله تعالى ، والتي ينبغي أن نحكم عليه من خلالها ، وانظر كيف يتبرأ من عقيدة الحلول والاتحاد بقوله : ( تعالى أن تحله الحوادث أو يحلها ) .
هل علمتم الأن كذب الوهابية وحقدهم الدفين علي أهل الله وإلصاقهم التهم الباطلة جزافا بهم وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولي ونعم النصير .