وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن سعيد بن المسيّب قال : لم أزل أسمع الأذان والإقامة في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الحرة حتى عاد الناس أهـ .
قال اليافعي عفيف الدين :
وقد تقرر أن ما جاز للأنبياء معجزة جاز للأولياء كرامة بشرط عدم التحدي ( إلا ما كان من خصائص النبوة ) قال : ولا ينكر ذلك إلا جاهل ، ونصوص العلماء في حياة الأنبياء كثيرة لا تحصى فلنكتف بهذا المقدار ، وحيث أن الحياة ثبتت وسماع كلامهم ورؤيتهم عليهم الصلاة والسلام صح وقوعها عند الأولياء ، فخروج يد النبي صلى الله عليه وسلم لسيدي السيد أحمد بن الرفاعي رضي الله عنه ممكن ولا يشك فيه إلا ذو زيغٍ وضلالة أو منافق طبع الله على قلبه ، وإن إنكار هذه المزية ومثلها يؤدي إلى سوء الخاتمة – حمانا الله – لما فيه من إنكار المعجزة الدائمة ، والكرامة الباهرة .
حدثنا شيخنا شيخ الإسلام الشيخ كمال الدين إمام الكاملية ، عن شيخ مشايخنا الإمام العلامة الهمام الشيخ شمس الدين الجزري، عن شيخه الامام الشيخ زين الدين المراغي ، عن شيخ الشيوخ البطل المحدث الواعظ الفقيه المقرئ المفسر الإمام القدوة الحجة الشيخ عز الدين أحمد الفاروثي الواسطي ، عن أبيه الأستاذ الأصيل العلامة الجليل الشيخ أبي إسحاق إبراهيم الفاروثي، عن أبيه إمام الفقهاء والمحدثين وشيخ أكابر الفقراء( 1 ) والعلماء العاملين الشيخ عزالدين عمر أبي الفرج الفاروثي الواسطي قدست أسرارهم أجمعين قال : كنت مع شيخنا ومَفْزَعِنا ( 2 ) وسيدنا أبي العباس القطب الغوث الجامع الشيخ السيد أحمد الرفاعي الحسيني رضي الله عنه عام خمس وخمسين وخمسمائة ، العام الذي قدّر الله له فيه الحج ، فلما وصل مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وقف تجاه حجرة النبي عليه الصلاة والسلام وقال على رؤوس الأشهاد: " السلام عليك يا جدي " فقال له عليه الصلاة والسلام : " وعليك السلام يا ولدي" ، سمع ذلك كل من في المسجد النبوي ، فتواجد سيدنا السيد أحمد وأُرعد واصفر لونه وجثا على ركبتيه ثم قام وبكى وأنّ طويلا وقال يا جداه :
فمدّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم يده الشريفة العطرة من قبره الأزهر المُكرّم فقّبلها في ملأ يقرب من تسعين ألف رجل ، والناس ينظرون اليد الشريفة ، وكان في المسجد مع الحجاج الشيخ حياة بن قيس الحراني ، والشيخ عبد القادر الجيلي المقيم ببغداد ، والشيخ خميس ، والشيخ عدي بن مسافر الشامي ، وغيرهم نفعنا الله بعلومهم ، وتشرفنا معهم برؤية اليد المحمدية الزكية ، وفي يومها لبس الشيخ حياة بن قيس الحراني خرقة السيد أحمد الكبير واندرج في سلك أصحابه .
1 - أي الصوفية .
2 - أي مَلْجَئِنا .
ومن طريق آخر حدثنا الشيخ محمد العلمي ، عن الشيخ أبي الرجال اليونيني البعلبكي ، عن الشيخ عبد الله البطائحي القادري، عن الشيخ على بن ادريس اليعقوبي، عن شيخه القطب الفرد الشيخ عبد القادر الجيلي ثم البغدادي قال : كنت في محفل الكرامة التي أكرم الله بها الشيخ أحمد الكبير الرفاعي بتقبيل يد النبي صلى الله عليه وسلم ، قال اليعقوبي : فقلت : أي سيدي أما حسده على هذه الكرامة من حضر من الرجال؟ فبكى رضي الله عنه ثم قال : يا ابن ادريس على هذا يغبطه الملأ الأعلى.
ومن طريق أخر حدثنا الإمام القوصي ، عن الشيخ قطب الدين ناظر الخزانة ، عن الشيخ ركن الدين السنجاري ، عن شيخه عدي بن مسافر ، وعن خادمه الشيخ على بن موهوب قالا: كنا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم عام حجنا وكان الشيخ أحمد بن الرفاعي رضي الله عنه واقفاً تجاه الحجرة الطاهرة وقد تكلم بكلماتٍ ضبطها عنه جماعة ، فما أتم كلامه إلا وقد مُدّت له يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها ونحن ننظر مع الحاضرين قال ابن موهوب :
والله كأني بها وقد خرجت من القبر المبارك يد بيضاء سوية طويلة الأصابع كأنها البرق المضيء ، وكأني بالحرم وأهله وقد كان يميد( 1 ) وقد كادت تقوم قيامة الناس لما ألمَّ بهم من الدهش والحيرة والهيبة والسلطان المحمدي ، وقد قام الرحب وقعد بتكبير الناس وصلاتهم عليه صلى الله عليه وسلم.
ومن المعلوم أن هذه المَنْقبة المباركة بلغت بين المسلمين مبلغ التواتر ، وعلت أسانيدها وصحّت رواياتها واتفق رواتها ، وإنكارها من شوائب النفاق معاذ الله .
1 - أي يتحرك .
إن قيل يدخل السيد أحمد رضي الله عنه في الصحابة لكون هذه المنقبة أثبتت له وللزوار بسبب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب : الذي عليه مشايخنا أنه محل نظر ، والأصح عدم الدخول ، وبهذا قال السخاوي وغيره لأن الحجة استمرار حياته عليه الصلاة والسلام ، وهذه الحياة أخروية ليست بدنيوية لا تتعلق بها أحكام الدنيا .
وقد ثبت أن السيد أحمد رضي الله عنه لما حج ثانياً في العام الذي توفى فيه وزار القبر الطيب الطاهر على ساكنه أفضل صلوات الله وسلامه قال وهو تجاه القبر بإنكسار ومسكنة :
إن قيل زرتم بما رجعتم
يا أكرم الرسل ما نقول
فظهر صوت من القبر الشريف سمعه كل من في المسجد.
ولا غرابة في هذا فإن الحبيب عليه الصلاة والسلام كان يخاطب كل قوم بلسانهم ، وجوابه للحميري عن قوله: " هل من امبر صيام في امسفر " حين قالها على لغة حِميَر واضعاً محل اللامين من البر والسفر ميمين معلوم مشهور ، وجوابه إلى السيد أحمد رضي الله عنه من هذا القبيل فافهم.
والذي أدين الله به أن السيد أحمد بن الرفاعي الشريف الفاطمي الحسيني رضي الله عنه كان جبلا راسخاً ، وبطلا جحجاحاً( ) ووليّاً عظيماً ، وبحراً من بحار السنة عجاجاً ، وسيداً سنداً انتهت إليه رياسة طريق القوم وانعقد عليه إجماع العلماء والأولياء ، وقال بتقديمه رجال عصره كافة ، ومشى أكابر قادات عصره تحت لواء إرشاده ، تمكّن من الإتِّباع للنبي عليه السلام وصح فيه قدمه وانتهى إليه التواضع ومكارم الأخلاق.
نفعنا الله بعلومه وأمداده ، وحاله وإرشاده، وجعلنا الله في زمرته مع إخوانه أولياء الله تحت لواء نبيه صلى الله عليه وسلم ،وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
1 - الجحجح : السيد .