لقد حرص الإسلام على تربية أبنائه على معاني الأخوة والوحدة، وحذرهم من كل ما يتنافى مع هذه الرابطة أو ينتقص منها.
ومن أهم الأخلاق السيئة التي تضر بهذه الرابطة ما يكون من سرور الأخ بما يصيب أخاه من المصائب في الدنيا أو الدين، وهذه هي الشماتة.
إن الشماتة إذن لا تليق بمسلم تجاه أخيه المسلم أبدًا، بل هي من صفات الأعداء الذين حذر الله منهم ووصفهم بقوله: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط ٌ) (آل عمران:120)، وقوله - تعالى -: (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ) (التوبة:50).
ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ بالله من شماتة الأعداء، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ بالله من جَهْد البلاء، ودَرَك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء)) (رواه البخاري).
إن من الأمور المهمة بالنسبة للمجتمع المسلم أن يوطن أبناؤه أنفسهم على الفرح بفرح بعضهم، والتألم والحزن لما يصيبهم، وقد جعل الله - تعالى - من العقوبات القدرية لمن كان شامتـًا بأخيه المسلم أن يُبتلى بمثل ما كان سببـًا لشماتته.
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تظهر الشماتة لأخيك في- رحمه الله -ويبتليك)). (رواه الترمذي وقال: حسن غريب).
ومن الشماتة المذمومة شرعـًا أن يتوب الله على عبدٍ من ذنبٍ ما فيأتي أخوه فيعيره به، وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك أيضـًا بقوله: ((من عيَّر أخاه بذنبٍ لم يمت حتى يعمله)). (رواه الترمذي وقال: حسن غريب).
ولو لم يكن من مضار الشماتة إلا أنها تسخط الربَّ - تبارك وتعالى - وتدل على انتزاع الرحمة من قلوب الشامتين لكفى بذلك زجرًا عنها، فكيف وهي تورث العداوات، وتؤدي إلى تفكك أوصال المجتمعات، ثم هي تعرض أصحابها للبلاء:
إذا ما الدهر جَرَّ على أناسٍ **** كَلاَ كِلَه أَنَاخَ بآخــرينا
فقل للشامتين بِنَا أَفيقــوا **** سَيَلْقَى الشامتون كما لقينا