أحمد ذوالفقار المشرف العام
عدد المساهمات : 988 تاريخ التسجيل : 27/01/2009
| موضوع: من كتاب ذم الكبر والعجب وهو الكتاب التاسع من ربع المهلكات من كتاب إحياء علوم الدين الأحد فبراير 15, 2009 6:42 am | |
| بيان أقسام ما به العجب وتفصيل علاجه
اعلم أن العجب بالأسباب التي بها يتكبر - كما ذكرناها - وقد يعجب بما لا يتكبر به كعجبه بالرأي الخطأ الذي يزين له بجهله. فما به العجب ثمانية أقسام: الأول أن يعجب ببدنه في جماله وهيئته وقوته وتناسب أشكاله وحسن صورته وحسن صوته، وبالجملة تفصيل خلقته، فيلتفت إلى جمال نفسه أنه نعمة من الله تعالى وهو بعرضة الزوال في كل حال، وعلاجه ما ذكرناه في الكبر بالجمال وهو التفكر في أقذار باطنه وفي أول أمره وفي آخره، وفي الوجوه الجميلة والأبدان الناعمة أنها كيف تمزقت في التراب وأنتنت في القبور حتى استقذرتها الطباع. الثاني البطش والقوة كما حكي عن قوم عاد حين قالوا فيما أخبر الله عنهم "من أشد منا قوة" وكما اتكل عوج على قوته وأعجب بها فاقتلع جبلاً ليطبقه على عسكر موسى عليه السلام، فثقب الله تعالى تلك القطعة من الجبل بنقر هدهد ضعيف المنقار حتى صارت في عنقه، وقد يتكل المؤمن أيضاً على قوته كما روي عن سليمان عليه السلام أنه قال: لأطوفن الليلة على مائة امرأة! ولم يقل إن شاء الله تعالى، فحرم ما أراد من الولد . وكذلك قول داود عليه السلام: إن ابتليتني صبرت، وكان إعجاباً منه بالقوة، فلما ابتلي بالمرأة لم يصبر. ويورث العجب بالقوة الهجوم في الحروب وإلقاء النفس في التهلكة والمبادرة إلى الضرب والقتل لكل من قصده بالسوء، وعلاجه ما ذكرناه، وهو أن يعلم أن حمى يوم تضعف قوته! وأنه إذا أعجب بها ربما سلبها الله تعالى بأدنى آفة يسلطها عليه. "الثالث" العجب بالعقل والكياسة والتفطن لدقائق الأمور من مصالح الدين والدنيا، وثمرته الاستبداد بالرأي وترك المشورة واستجهال الناس المخالفين له ولرأيه، ويخرج إلى قلة الإصغاء إلى أهل العلم إعراضاً عنهم بالاستغناء بالرأي والعقل واستحقاراً لهم وإهانة، وعلاجه أن يشكر الله تعالى على ما رزق من العقل، ويتفكر أنه بأدنى مرض يصيب دماغه كيف يوسوس ويجن بحيث يضحك منه! فلا يأمن أن يسلب عقله إن أعجب به ولم يقم بشكره، وليستقصر عقله وعلمه، وليعلم أنه ما أوتي من العلم إلا قليلاً وإن اتسع علمه، وأن ما جهله مما عرفه الناس أكثر مما عرفه، فكيف بما لم يعرفه الناس من علم الله تعالى؟ وأن يتهم عقله وينظر إلى الحمقى كيف يعجبون بعقولهم ويضحك الناس منهم؟ فيحذر أن يكون منهم وهو لا يدري. فإن القاصر العقل قط لا يعلم قصور عقله، فينبغي أن يعرف مقدار عقله من غيره لا من نفسه، ومن أعدائه لا من أصدقائه، فإن من يداهنه يثني عليه فيزيده عجباً وهو لا يظن بنفسه إلا الخير ولا يفطن لجهل نفسه فيزداد عجباً. الرابع العجب بالنسب الشريف كعجب الهاشمية، حتى يظن بعضهم أنه ينجو بشرف نسبه ونجاة آبائه وأنه مغفور له، ويتخيل بعضهم أن جميع الخلق له موال وعبيد، وعلاجه أن يعلم أنه مهما خالف آباءه في أفعالهم وأخلاقهم وظن أنه ملحق بهم فقد جهل، وإن اقتدى بآبائه فما كان من أخلاقهم العجب بل الخوف والازدراء على النفس واستعظام الخلق ومذمة النفس، ولقد شرفوا بالطاعة والعلم والخصال الحميدة لا بالنسب، فليتشرف بما شرفوا به، وقد ساواهم في النسب وشاركهم في القبائل من لم يؤمن بالله واليوم الآخر، وكانوا عند الله شراً من الكلاب وأخس من الخنازير، ولذلك قال تعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى" أي لا تفاوت في أنسابكم لاجتماعكم في أصل واحد، ثم ذكر فائدة النسب فقال "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" ثم بين أن الشرف بالتقوى لا بالنسب فقال "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" ولما قيل لرسول الله ﭬ من أكرم الناس؟ من أكيس الناس؟ لم يقل: من ينتمي إلى نسبي ولكن قال "أكرمهم أكثرهم للموت ذكراً وأشدهم له استعداداً" وإنما نزلت هذه الآية حين أذن بلال يوم الفتح على الكعبة: فقال الحرث بن هشام وسهيل بن عمرو وخالد بن أسيد: هذا العبد الأسود يؤذن على الكعبة؟ فقال تعالى "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وقال النبي ﭬ "إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية - أي كبيرها - كلكم بنو آدم وآدم من تراب" وقال النبي ﭬ "يا معشر قريش لا تأتي الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بالدنيا تحملونها على رقابكم تقولون يا محمد يا محمد فأقول هكذا - أي أعرض عنكم - فبين أنهم إذا مالوا إلى الدنيا لم ينفعهم نسب قريش. ولما نزل قوله تعالى "وأنذر عشيرتك الأقربين" ناداهم بطناً بعد بطن، حتى قال "يا فاطمة بنت محمد يا صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله ﭬ اعملا لأنفسكما فإني لا أغني عنكما من الله شيئاً" فمن عرف هذه الأمور وعلم أن شرفه بقدر تقواه وقد كان من عادة آبائه التواضع اقتدى بهم في التقوى والتواضع، وإلا كان طاعناً في نسب نفسه -بلسان حاله- مهما انتمى إليهم ولم يشبههم في التواضع والتقوى والخوف والإشفاق. | |
|