رسالة في أهل الصفة وأحوالهم لإسماعيل بن عبد الله الأسكداري النقشبندي هدية لكم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، حمداً يُوافي نِعمه، ويكافئ مَزيده، حمداً يليق بجلال وجهه، وعظيم سُلطانه.
وصلَّى الله على سِّيدنا محمد القائل: "اللهم إِنِّي أِسأَلكَ فِعلَ الخيراتِ، وتركَ المنكراتِ، وحُبَّ المساكين، وأن تغفرَ لي وترحَمَني، وإِذا أَردتَ فتنةً في قومٍ فتوفَّني غيَر مَفْتُون.
وأَسأَلكَ حبَّك، وحُبَّ من يُحبُّك، وحُبّ العملِ الذي يُقرِّبني إلى حبِّك".[ أخرجه الترمذي (3235) وأحمد (5/432)، وابن خزيمة في "التوحيد" (321)، من حديث معاذ بن جبل].
والقائل صلى الله عليه وسلم: "اللهم أَحْيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشُرني في زُمرة المساكين".
[أخرجه الترمذي (2352) - وقال "هذا حديث غريب" - والبيهقي (127)، وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/141-142)، وأبو الحسن الحمامي في "الفوائد المنتقاة" من حديث الحارث بن النعمان عن أنس بن مالك].
وبعد:
فقد سألني الشيخُ الفاضلُ البهيُّ العليُّ، المحبُّ في الله تعالى، الخطَّاطُ علي أفندي، المجاور لسيِّد [ في هامش النسخة: "ظ: عند سيد"] المساكين، الخاشعين لله ربِّ العالمين، عن الصُّفُّة، وأهل الصُّفَّةِ وأحوالهم، رضي الله عنهم ونفعنا بهم فلم يحضُرني في ذلك الوقت الجوابُ، ثم راجعت بعضَ التفاسير، كالبَغَويِّ، والخازن، فذكروهم وأَحوالَهم - رضي الله عنهم -.
أَمَّا الصُّفَّةُ -كغُرفة - جمعه:صُفَفٌ -كغُرفٍ - معروف، كما في "القاموس"، "والمصباح" [مادة: صفف]. وأَهل الصُّفَّةِ كانوا أَضْيافَ الإسلام، كانوا يَبيتون في صُفَّةِ مسجده صلى الله عليه وسلم، وهو موضعٌ مُظَلَّلٌ من المسجد.
وقال الإِمامُ البغويُّ في قوله تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداةِ والعَشيَّ يريدون وَجْهَه،....} [سورة الكهف: آية 28]، الآية: نزلتْ في عيينة بن حِصْنٍ الفَزاريِّ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم - قبل أَن يسلمَ - وعنده جماعةٌ من الفقراء فيهم سلمانُ- رضي الله عنه - وعليه شَملةٌ قد عَرِق فيها، وبيده خُوصَةٌ ليشُقَّها [في "التفسير": يشقها"] ثم يَنْسُجُها. فقال عُيينةُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أما يُؤْذيك رِيحُ هؤلاء؟ ونحن ساداتُ مُضَرَ وأَشرافُها فإِنْ أَسْلمنا أَسلم الناسُ، وما يمنعنا من اتِّباعك إِلا هؤلاء، فنحهم حتى نتبعك، أو اجعل لنا مجلساً ولهم مجلساً. فأنزل اللهُ- عزَّ وجلَّ-:{واصبر نفسك} أَيْ أحبَسْ يا محمد نفسك، {مع الذين يَدعون رَّبهم بالغداةِ والعشيِّ} طَرَفي النَّهار، {يُريدون وجْهَه} أي يريدون الله [لايريدون](1) به عِوضاً من الدنيا.
قال قَتادةُ: نزلتْ في أَصحاب الصُّفَّةِ، وكانوا سبعَمائة رجلٍ فقراءَ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لايرجعون إلى تجارةٍ، ولازرعٍ، ولاضَرعٍ، يُصلُّون صلاةً وينتظرون أُخرى. فلمَّا نزلت هذه الآية قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي جعل في أُمَّتي مَن أُمرْت أَن أصبر نفسي معهم".
وقال البغَويُّ رحمه الله تعالى - في قوله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربَّهم بالغداةِ والعشيِّ،....}. [سورة الكهف: آية 28]، الآية: "قال سلمانُ وخَبَّاب بنُ الأَرَتَّ: فينا نزلت هذه الآية:
جاء الأقرعُ بنُ حابس التَّميميُّ، وعُييْنةُ بن حِصنٍ الفَزاريُّ، وذووهم من المؤلفة قلوبهم، فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً مع بلالٍ وصُهيبٍ وعمَّار وخَبَّابٍ - رضي الله عنهم - في ناس من ضُعفاءِ المؤمنين، فلما رأوهم حوله حقروهم، فأتوه فقالوا: يارسولَ الله، لو جلست في صَدْرِ المسجد ونفَيتَ عنَّا هؤلاء، وأرْواحَ جِبابِهم - وكان عليهم جِبابُ صوفٍ لها [رائحة] لم يكن عليهم غيرها - لجالسناك وأخذنا عنك.
فقال صلى الله عليه وسلم [لهم]: ما أنا بطاردٍ المؤمنين.
قالوا فإِنَّا نحب أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف [به] العرب فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك، فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأَعْبُدِ، فإذا نحن جئناكَ فأقمهم عنّا، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت.
قال: نعم.
قالوا: اكتب لنا عليك بذلك كتاباً.
قال: فدعا بالصَّحيفةَ ودعا عليًّا ليكتب - قال: ونحنُ قعودٌ في ناحيةٍ - إذ نزل جبريل عليه السلام - بقوله: {ولا تطرد الذين يَدعون رَّبهم بالغداةِ والعشيِّ يريدون وجهه}، إلى قوله {بالشاكرين}.
فأَلقَى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصَّحيفة من يدهِ، ثم دعانا فأتيناه وهو يقول: {سلامٌ عليكم،كتب ربُّكم على نفسه الرحمة} [سورة الأنعام: آية 54].
فكنا نقعدُ معه صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد أَن يقومَ قام وتركنا، فأنزل الله تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون رَّبهم بالغَداةِ والعشيِّ يُريدون وجْهه}. [سورة الكهف: آية 28].
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعدُ، وندنو منه حتى كانت رُكَبُنا تمسُ رُكبتيه[في الأصل: "كادت ركبتنا"، والمثبت من "التفسير" وروايات الحديث]، فإذا بلغ الساعةَ التي يقوم فيها، قمنا وتركناه حتى يقوم فيها، وقال لنا: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قومٍ من أُمَّتي، معكم المحيا ومعكم الممات" [انتهى ماقاله البغوي في "تفسيره" (2 / 99)].
والمراد من الغَداةِ والعشيِّ: صلاةُ الصُّبح والعصر. قاله مجاهد. [في الأصل: "قاله ابن عباس رضي الله عنهما"، والتصويب من "تفسير البغوي"، إذ العبارة منه (2 / 99).
وأخرجه عن مجاهد ابن جرير الطبري في تفسيره "(7/203)، وزاد السيوطي في "الدر المنثور" (3 / 275) نسبته لابن أبي حاتم].
ويروى عنه أن المراد به الصلوات الخمس. [أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (7/204).
وأخرجه كذلك (7/ 203)، وابن المنذر، وابن أبي حاتم - كما في "الدر المنثور" (3/275) - عن ابن عباس قوله]. وقال البيضاوي -رحمه الله تعالى -: "المراد به الدوام" ["أنوار التنزيل وأسرار التأويل" (ص 176 )].
وقال البغوي: "قال إبراهيم النَّخَعيُّ: يعني يذكرون الله تعالى رَّبهم. وقيل: المراد به حقيقة الدعاء". [انتهى قول البغوي في "تفسيره" (2/99)].
وعن أبي سعيد الخدريِّ - رضي الله عنه - قال "جلستُ في نفرٍ من ضُعفاء المهاجرين، إنَّ بعضهم ليسْتتر ببعض من العري، وقارىء يقرأُ علينا، إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام علينا، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت القارىءُ فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ماكنتم تصنعون؟
قلنا: يارسول الله، كان قارىء يقرأ علينا، فكنا نستمع إلى كتاب الله تعالى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم.
قال: ثم جلس وسطنا ليعدل نفسه فينا، ثم قال بيده هكذا فتحلقوا، فبرزت وجوههم له.
قال فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف منهم أحد غيري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم، أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالفوز والنور التام يوم القيامة، تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم، وذلك مقدار خمسمائة سنة".
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وأصحابه وأمته أجمعين، صاحب الخلَقْ والخلق العظيم، الرؤوف الرحيم، صلاة دائمة بدوام ملك الله، الملك الحق المبين، صلاة تليق بجاهه العظيم، صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتقضي لنا بها جميع الحاجات، وتطهرنا بها من جميع السيئات، وترفعنا بها عندك أعلى الدرجات، وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات، في الحياة وبعد الممات.
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم،إنك حميد مجيد، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
وأما أحوال أهل الصفة رضي الله عنهم:
التوكل على الله تعالى، والثقة بالله، واختيار الفقر لله تعالى، وملازمة الذكر لله تعالى، والجهاد، ومرابطة النفس في سبيل الله، وملازمة الدعاء، وطلب ثواب الآخرة، وملازمة باب الله الأعظم، باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباع سنته.
وكان أبو هريرة- رضي الله عنه- من أهل الصفة رضي الله عنهم ونفعنا بهم في الدنيا والآخرة. آمين.
اللهم بجاههم عند وجاه مشرفهم سيد المرسلين، الرحمة للعالمين - صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين - أن تحشرنا في زمرتهم، وتسترنا، وتجملنا وذرياتنا، ومن يكون منا، وجميع أحبابنا، والمسلمين أجمعين. وقنا شر جميع الأسواء، وشر النفس، والشيطان الرجيم، وشر الإنس والجن، وشر كل دابة أنت - ربي - آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم. ياحي يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، لا إله إلا أنت، يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين.
ورضي الله تعالى عن جميع الصحابة والقرابة أجمعين، والحمد لله رب العالمين. [جاء في نهاية النسخة: " تمت يوم الربوع، يوم تسعة وعشرين من ربيع الآخر، سنة (1181 )، على يد الفقير محمد أمين".

مشرف عدد المساهمات : 376 تاريخ التسجيل : 22/07/2009

صلَّى الله على سِّيدنا محمد القائل: "اللهم إِنِّي أِسأَلكَ فِعلَ الخيراتِ، وتركَ المنكراتِ، وحُبَّ المساكين، وأن تغفرَ لي وترحَمَني، وإِذا أَردتَ فتنةً في قومٍ فتوفَّني غيَر مَفْتُون.
وأَسأَلكَ حبَّك، وحُبَّ من يُحبُّك، وحُبّ العملِ الذي يُقرِّبني إلى حبِّك".
نسأل الله جل وعلا بما دعا به رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم

وبارك الله فيه يادكتور أحمد

بارك الله فيكم أيها الشيخ الفاضل المبدع محمود حسين مرور طيب كريم لا حرمنا الله من إطلالاتكم ونفحاتكم

عدد المساهمات : 374 تاريخ التسجيل : 02/02/2009

جزاكم الله تعالى خيرا على هديتكم القيمة وبارك فيكم سيدي الدكتور أحمد ذوالفقار

وبارك الله فيك أخي الحبيب سيدي محمد فتحي ولا حرمنا الله من مروركم الطيب المبارك

» هدية لأحباب الطريقة - من مثلكم لرسول الله ينتسب
» تصحيح كلمات غير مفهومة في كتاب "جواب مقالات الشيخ مظهر النقشبندي" للإمام العلامة سيدي جعفر بن ادريس الكتاني رحمه الله
» المنـاجـاة للشيخ سيدي الإمام أبي الفيض محمد بن عبدالكبير الكتاني
» ابتهالات الشيخ سيد النقشبندي
» النشيد النقشبندي العدد الثلاثون من المجلة النقشبندية