الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
فنحن جميعاً ركاب سفينة واحدة إن نجت نجونا جميعاً وإن هلكت هلكنا جميعاً.
ولقد حسم النبي هذه الحقيقة في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري من حديث النعمان بن بشير أن رسول الله قال: { مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً }.
فواجب على أهل الحق من المصلحين الصادقين أن ينذروا، ويحذروا أهل الفساد، والواقعين في حدود الله عز وجل، وأن يأخذوا على أيديهم قبل أن تغرق السفينة بالجميع.
وهذا الواجب قد جعله رسول الله فرض عين على كل مسلم على اختلاف مراتبه ودرجاته.
ففي الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: { من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان }.
وفي صحيح مسلم من حديث عبدالله بن مسعود أن النبي قال: { ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا وكان من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنه تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل }.
فإن عجز أحد من الناس أن ينكره بيده أو بلسانه فإن إنكار القلب كمرتبة الإنكار فرض عين على كل مسلم ومسلمة ولا يعذر بتركه على الإطلاق.
بل وقد يتشدق أحدهم كالثعلب في ثياب الواعظين ويردد قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة: 105].
وقديماً خاف صديق الأمة الأكبر أبوبكر وأرضاه خاف هذه السلبية القاتلة، من منطلق فهم مغلوط مقلوب لهذه الآية الكريمة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها وإني سمعت رسول الله يقول: { ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيروا ولا يغيرون، إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب }.
وهكذا فإن وجود المصلحين الصادقين سبب من أسباب النجاة من الإهلاك العام، فإن فقدت الأمة هذا الصنف الكريم الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يحل عليها عذاب الله وإن كثر فيها الصالحون الطيبون لأنهم سكتوا حتى كثر الخبث وأصبح أمراً عادياً مستساغاً تألفه النفوس.
وحينئذ يستحق الجميع عقاب الله جل وعلا كما في الصحيحين من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي دخل عليها يوماً فزعاً وفي رواية استيقظ يوماً من نومه فزعاً وهو يقول: { لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، لقد فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه } وحلق بإصبعيه السباب والإبهام فقالت زينب يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون قال: { نعم إذا كثر الخبث }.
ولقد بوب الإمام مالك رحمه الله في موطئه باب بعنوان ما جاء في عذاب العامة بعمل الخاصة.
بل قد روى الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه بسند حسن من حديث عدي عن عمير أن النبي قال: { إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكرون، فإذا فعلا ذلك عذب الله الخاصة والعامة }.
قال تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:123-126].
و قال تعالى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ (97) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:97-99].
: فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [غافر:44].
وصلى الله على نبينا محمداً وعلى آله وأصحابه أجمعين
_________________
احذرن لا تجرحن قلب فقير
لا تزج النفس في نار السعير
* * * * * * *
من لامني ف هذه الحالة أنبيــــع لــــه يشــــري منـــــي
أنبيع له بيع المحتـــــاج وإلـــــى جـــــــرب يعذرنــــــي