يا ولدي إن ما أكلته تفنيه، وما لبسته تبليه، وما عملتَه تُلاقيه، والتوجه إلى الله حتمًا مقضيًا، وفراق الأحبة وعدًا مأتيا، والدنيا أولها ضعف وفتور، وءاخرها موت وقبور، لو بقي ساكنها ما خربت مساكنها، فاربط قلبك بالله (أي بطاعته ومحبته)، وأعرض عن غير الله، وسلم في جميع أحوالك لله، واجعل سلوكك في طريق الفقراء بالتواضع، واستقم بالخدمة على قدم الشريعة، واحفظ نيّتك من دنس الوسواس، وأمسك قلبك من الميل الى الناس، وكل خبزا يابسًا وماءً مالحًا من باب الله، و لا تأكل لحمًا طريً و عسلا من باب غير الله, وتمسك بسبب لمعيشتك بطريق الشرع من كسب حلال، وايّاك من كسر خواطر الفقراء، وصلِ الرحم، وأكرم الأقارب، واعفُ عمّن ظلمك، وأكثِر زيارة القبور، وليّن كلامك للخلق، وكلّمهم على قدر عقولهم، وحسّن خُلقَك، وأعرِض عن الجاهلين، وقم بقضاء حوائج اليتامى وأكرِمهم، و أكثرِ التردد لزيارة المتروكين من الفقراء, وبادر بخدمة الأرامل، وارحم تُرحم، وكن مع الله تر الله معك، واجعل الإخلاص رفيقك في سائر الأقوال والأفعال، واجتهد بهداية الخلق لطريق الحق، ولا ترغب للكرامات وخوارق العادات فإنّ الأولياء يستترون من الكرامات كما تستتر المرأة من دم الحيض، ولازم باب الله، ووجه قلبك لرسول الله، وقم بنصيحة الإخوان، وألف بين قلوبهم، وأصلح بين الناس، واجمع الناس مهما استطعت على الله بطريقتك، وعمّر قلبك بالذكر، وجمّل قالبك بالفكر، واستعن بالله، واصبر على مصائب الله، وكن راضيا عن الله، وقل على كل حال الحمد لله، وأكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن تحرّكت نفسك بالشهوة أو بالكِبر فصُم تطوعًا لله واعتصم بحبل الله، واجلس في بيتك ولا تكثر الخروج للأسواق ومواضع الفُرَج فمن ترك الفُرَج نال الفَرَج، وأكرم ضيفك، وارحم أهلك وولدك وزوجتك وخادمك، واعمل للآخرة، وقل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون.
هذه نصيحتي لك ولكل من سلك طريقي ولاخواني ولجميع المسلمين والمحبين كثرهم الله، وأستغفر الله العظيم من جميع الذنوب خفيها وجليها وكبيره وصغيرها".
ثم قال: "الوصول باب، والعناية مفتاح، والسخاوة سلُم، والاخلاص قوة، فإذا أخلصت صعدت الى السلم، وإذا صرت سخيًا وصلت الى المفتاح وفتحتَ الباب بإذن الفتّاح، بُنيَ الطريق على الصدق والإخلاص وحسن الخلق والكرم، والغنى بالعلم، والزينة بالحلم، والكرامة بالتقوى، والعزة بمخالفة النفس، أكثر من الدعاء المشهور، ومل عن الطريق المشهور، وتذلل للفقير المستور، وعُدَّ نفسك من أهل القبور".
"قف في باب الاستقامة، واسكن في باب المداومة، والزم الصبر على العمل، ومن طرق الباب بالخضوع، فتح له بالقبول".
"الذكر حفظ القلب من الوسواس وترك الميل الى الناس، والتخلي عن كل قياس".
"القلب جوهرة مظلمة مغمورة بتراب الغفلة، جلاؤها الفكر، ونورها الذكر، وصندوقه الصبر".
"الصدق سلم العناية، والتقوى بيت الهداية، والتسليم عين الرعاية، والإخلاص حسن الوقاية، والانكسار لله هو الولاية".
"لسان الورع يدعو إلى ترك الآفات، ولسان التعبد يدعو إلى دوام الاجتهاد".
"الحكمة خوف الله، والرباط التوكل على الله، والتدبير التفويض إلى الله، والتسليم العمل بسر {قُلْ كُلّ مِنْ عِندِ اللهِ(78)}" [سورة النساء.]
إنّ الصلاة عليه (أي على النبي صلى الله عليه وسلم) تسهل المرور على الصراط، وتجعل الدعاء مستجابا، وان قدرتم أعطوا الصدقة فإنها تبرد النار وتزيل غضب الله، والإحسان للوالدين وبِرَّهم يُهوّن سكراتِ الموت".
"يا ولدي التصوف الإعراض عن غير الله، وعدم شغل الفكر بذات الله، والتوكل على الله، وإلقاء زمام الحال في باب التفويض، وحسن الظن به في جميع الحالات".
يا ولدي إذا سمعت نقلا حسنًا وتعلمت علمًا فاعمل به، ولا تكن من الذين يعلمون ولا يعملون، ولا تضيع أوقاتك باللهو والطرب وسماع الآلات وكلمات المضحكين، واترك الفرح فإن الفرح في الدنيا جنون، والحزن فيها عقل وكمال، والخلود فيها محال، والانكباب عليها فعل الجُهّال، واجعل فكرك مشغولا بمن سلف قبلك من الجبابرة والسلاطين ماتو وكأنهم ما كانوا، هم السابقون ونحن اللاحقون، فسر على منهج الصالحين لتحشر في زمرتهم ولتكون من فرقتهم".
"اخواني ان غرّكم لباس الحكام والأعيان وزينتهم وضاقت صدوركم بهذا فاذهبوا إلى المقابر وانظروا أباءكم وأباءهم تجدوا الكل في التراب والله أعلم بمن هو في النعيم وبمن هو في العذاب فأنتم كذلك مع هؤلاء تتساوون {وَسَيَعْلَمُ الّذينَ ظَلَموا أيَّ مُنقَلََبٍ يَنْقَلِبونَ(227)} [سورة الشعراء]."
"يا ولدي إياك من الاشتغال بما لا يعنيك من الكلام والأعمال وغيرها، وارجع بنفسك عن طريق الغفلة، وادخل من باب اليقظة، وقف بميدان الذل والانكسار، واخرج من مقام العظمة والاستكبار فإنك مضغة ابتداؤك، وجيفة انتهاؤك، فقف بين الابتداء والانتهاء بما يليق لمقامها".
"واياك من الحسد فان الحسد أم الخطايا، والكذب والحسد والكره سبب لطرد العبد من باب الرب، فلا تعوّد نفسك على هذه الخصال قطعًا، واقطع نفسك إلى الله، واعلم بأن الرزق مقسوم، فإذا تحققت من ذلك ما تكبرت، واعلم بأنك محاسَب، فإذا تحققت من ذلك ما كذبت، واغضض طرفك عن النظر إلى أعراض الناس فضلا عن العمل الردىء فإنك كما تدين تُدان ، وكما أنّ لك عينًا فلغيرك عيون، وكما أنت يولى عليك، وأمسك لسانك عن مذمة الخلق فان للخلق ألسنًا، نظرك فيك يكفيك، وكما تقول بالناس قد يقولون فيك، وحاسب نفسك في كل يوم، واستغفر الله كثيرًا، وكن طبيبَ نفسك ومرشدَها، ولا تغفل عن حساب نفسك، وإياك من الاشتغال بحظ النفس، وإياك والظهور فالظهور يقصم الظهور".
منقول