رحلاته:رحل إلى الحجاز صحبة والده سنة 1321، فدخل مرسيليا، وزار معمل السكر بها، ودخل إلى نابُّولِي بإيطاليا، ودخل إلى القاهرة، فأقام فيها شهرًا، زار فيه أميرها السيد عباس باشا الخديوي، كما زار معاهدها ومساجدها، وآثارها.
ولما دخل مكة المكرمة؛ لازم فيها دروس والده التفسيرية، وبعض دروس العلماء المغاربة الذين رافقوا والده، واجتمع بشخصيات بارزة بها، وظفر بإجازات منها بطلب من والده، وسمع جملة من المسلسلات بتوجيه منه أيضًا.
وبعد أن أقام بها ستة أشهر أدى فيها فريضة الحج؛ بارحها قاصدا المدينة المنورة، فاقام بها نيفا وثلاثين يوما، حظي فيها بالاجتماع والاستفادة من علماء أجلة، ومرشدين كملة.
وأثناء عودته من الحجاز؛ عرج على الجزائر، فزار مدارسها، وشاهد آثار الاستعمار الفكري والخلقي والاقتصادي بها، زيادة على الاستعمار السياسي والعسكري، وكان رجوعه لفاس أواخر ربيع الثاني سنة 1322.
وفي سنة 1325؛ رحل مع والده لمكناس، حيث حضر النشاط السياسي الذي كان يقوم به والده لصالح المغرب [10]، وقد تحدثتُ عنه في ترجمتي الصغيرة للإمام الوالد، المسماة بأشرف الأماني.
[وفي سنة 1327؛ رحل مع والده وعائلته لقبيلة آيت يوسي، لكنهم جميعا أرجعوا من الطريق وألقي عليهم القبض بتهمة إرادة القيام بثورة ضد الجيش الفرنسي الذي احتل البيضاء ووجدة، وتهمة العمل على إسقاط ملك المغرب الجالس على العرش إذذاك، فاعتقلوا بقصر أبي الخصيصات بفاس، وكان ذلك نتيجة الضغط الفرنسي على جل وزراء القصر السلطاني].
وبعد وفاة جده؛ رحل إلى آيت يوسي [أيضا]، فقام بواجب أكيد، في الدعوة إلى الله، وأحيى عدة سنن، وأمات عدة بدع. وقد وقفت على أبيات عديدة للنابغة الأديب أبي الشعور عبد السلام الدوَيِّب الفاسي – رحمه الله – دون فيها جزءا من رحلته هاته.
وفي سنة 1337 رحل إلى مراكش هاديًا ومرشدا، ولقي إقبالا منقطع النظير، وقد كتب ملخصا لهذه الرحلة.
وفي سنة 1347 رحل إلى طنجة وتطوان وجبل العلم لتفقد الأخوان، وزيارة الإمام الداعية أبي المعارف عبد السلام بن مشيش العلمي الحسني، فكان لرحلته [11] أثر حسن في استنهاض الهمم، وبث الوعي في النفوس، ومدح من شعراء طنجة بعدة قصائد؛ منها: قصيدة الفقيه الشاعر أبي محمد عبد الله بن محمد الهاشمي الوزاني. وإليكم أبياتًا منها:
تواردت البشرى لطنجة بالسعدِ=== بإتيان مولانا محمدٍ المهدي
وأشرقت الأنوار منها بوفده===ولاحت علاماتُ السعادة والجد
ونالت سرورا كاملا بلقائه===وأجرا وأفراحا تجل عن الحد
وأصبحت الدنيا تهني كرامها===على وصله الملحوظ في أعين السعد
فأهلا به من واردٍ نشطت به===نفوسُ الكسالى للعبادة والجد
إلى أن قال:
فما هو إلا كعبة المجد والرضا===تطوف به أولوا المحبة والود
وما هو إلا البدرُ فوق سما العُلا===يضيء بأسرار على السهل والنجد
وما هو إلا البحرُ إن مد علمه===على ساحل العرفان يبهر بالمد
وما هو إلا الغيثُ يحيي نزولُه [12]===أراضي قلوبٍ بالمواهب والرفد
ومنها: قصيدة الأستاذ الشاعر أبي عبد الله مَحمد (فتحًا) الزكاري، وإليكم أبياتًا منها:
ألا بشر المشتاق بالطيِّ للبُعد===وبالوصل من بعدِ الفراق، وبالعوْد
فقد جاءنا نجلُ الإمام وسرُّه===ووارثُه المختارُ بُغيتُنا: المهدي
وفي وجهه نورُ النبوة ساطعٌ===وهل تختفي في الشمس واسطة العَقد؟!
إلى أن قال:
فقل للذي يبغي من العِلم رُشدَه:===ألا فاطلب العلمَ الصحيح من المهدي!
وفي سنة 1350 رحل إلى الحجاز للمرة الثانية، واجتمع بمكة بالأمير العلامة المجاهد الشريف أحمد السنوسي وغيره من الأعلام، وأثناء عودته عرج على دمشق لصلة الرحم مع ابن عمه العلامة المرشد السيد محمد المكي الكتاني ومن بقي بها من أعلام العلم والدين.
وفي سنة 1347 رحل إلى جنوب مراكش وناحية الرباط لنشر الدعوة الإسلامية، وتفقد أحوال الطريقة الكتانية [13]، غير أنه لم يكد ينتهي من رحلة الجنوب ويبتديء رحلة ناحية الرباط؛ حتى استدعاه حاكم الرماني وأمره بالرجوع إلى سلا فورا، معلنا أنه لا يعترف برسالة الصدر الأعظم التي يحملها بإذن من جلالة الملك، فلم يسعه إلا الرجوع. فاضطر الفقيد الكريم إلى ملازمة منزله وترك الرحلة بالمرة.
وبديهي أن صاحب الجلالة لم يقصد بالإذن الذي خوله للمترجم إلا إعطاء البرهان للشعب المغربي على أنه يوجد في صفوف الطرق الصوفية رجال أحرار يستطيعون قيادتها في الطريق الذي خطه مؤسسوها الأولون، والقيام بدور الإرشاد والتوجيه للأوساط الشعبية، حسبما يأمر به القرآن وسيد الأكوان، غير أن المصلحة الاستعمارية حالت بينه وبين تحقيق هذه الأمنية.
وهناك رحلات أخرى تركتها اختصارا...
مواقفه الإصلاحية:كان يقوم بنشاط سياسي مع والده لصالح المغرب، ومن أجله اعتقل أكثر من أربعة أشهر، وبعد الحماية وموت جده الشيخ عبد الكبير الكتاني؛ تزعم جبهة المعارضة [14] في الطريقة الكتانية.
وفي سنة 1930 أظهر سخطًا على الظهير البربري، وهو سخط اعترفت به لجنة العمل الوطني بأوروبا في جريدة الجامعة العربية التي كانت تصدر بفلسطين.
وفي سنة 1944 أيد كتابة وثيقة الاستقلال التي قدمها قادة الحركة الوطنية، وزار القصر الملكي مرتين للإعلان عن هذا التأييد مشافهة لأمير المؤمنين.
وفي سنة 1951 أبرق إلى الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، والأمين العام للجامعة العربية، معلنا تأييده للجامعة العربية في موقفها من القضية المغربية، أثناء عرضها على هيئة الأمم المتحدة، وذلك باسم أتباع الطريقة الكتانية، ونشرت برقيته جريدة الرأي العام.
وفي سنة 1953 أبرق إلى رئيس حكومة فرنسا ووزير خارجيتها، معلنا معارضته لما كان يسمى بحركة القواد والباشوات، ونشرت برقيته جريدة منبر الشعب بطنجة، وجريدة المعرفة بتطوان..وغيرهما.
وحين أبعد أمير المؤمنين عن عرشه، تضامن مع المسلمين في كل ما اتخذوه من قرارات، وكان يقضي كل يوم مجالس طويلة في العبادة، يرجو فيها من الله سبحانه [15] أن يرجع محمدًا الخامس إلى عرشه محروسًا بعينه التي لا تنام، ومزودا بوثيقة الاستقلال التي كرس حياته للظفر بها.
ولما ألقى الفرنسيون القبض على علماء فاس بالضريح الإدريسي؛ كان من جملة الذين وقعوا على بلاغ علماء المغرب الشهير، الموجه لرئيس الحكومة الفرنسية، والمتضمن الاحتجاج على إلقاء القبض عليهم، والمطالبة برجوع السلطان إلى عرشه، والإعلان عن الحريات العامة.
ولما رجع أمير المؤمنين من المنفى، ووقع على وثيقة الاستقلال؛ أبرق إليه مهنئا، وأعرب عن أمله في إدراك ما تصبو إليه جلالته من عز وسعادة للمغرب والمغاربة، ونشرت برقيته جريدة السعادة، وكان على اتصال وثيق بصاحب الجلالة منذ اليوم الأول الذي بويع فيه بفاس، وكان ممن حضروا بيعته، لا يتأخر عن التردد إليه في الوقت الذي كان الفرنسيون فيه يضعون العراقيل أمام رواد القصر الملكي...إلى غير ذلك مما سأعنى بذكره في غير هذه العجالة.
مؤلفاته:1- تأليف في فضل العلم.
2- "الجوهر الثمين في تراجم أمهات المؤمنين".
3- فهرسة تضمنت نصوص إجازات العلماء له [16].
4- "العقد الفريد في بعض الأسانيد".
5- تأليف في تفضيل مذهب السلف على الخلف في الآيات المتشابهة.
6- نصيحة عامة للمسلمين. [في عدة مجلدات].
7- تأليف في جواز التقبيل.
8- اختصار "المظاهر السامية في النسبة والطريقة الكتانية". [لعمه الشيخ عبد الحي الكتاني].
9- اختصار مسلسلات "حصر الشارد في أسانيد محمد عابد".
10- تقييد في أصل مواسم الصالحين.
11- نبذة يسيرة من ترجمته.
12- وفيات رجال القرن الحالي، لازالت لم تُجمع.
13- "أجوبة مفيدة، عن أسئلة عديدة".
14- تقييد في كرامات والده.
15- "بيني وبين الرافعي". وهي مراسلات علمية بينه وبين العلامة الكبير أبي المعالي مَحمد (فتحًا) الرافعي، عالم الجديدة.
16- "أجوبة عن أسئلة ستة"، متعلقة بوالده وطريقته.
17- تقييد في تعريف الفقير الحقيقي.
18- رسالة في أن الطريقة الكتانية لا تعترف إلا بأتباعها الناهجين نهج الكتاب والسنة، وبراءتها من المتبعين لأهوائهم وشهواتهم، والمتكلين على الفضائل. [17].
19- رحلة مختصرة إلى مراكش.
20- رسائله في الوعظ والإرشاد.
21- فتوى شرعية في تحريم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها.
22- رسائل هامة من شخصيات بارزة.
23- تقييد في فضائل الورد الكتاني وتقييدها بالعمل الصالح.
24- [كنانيش تبلغ العشرة].
روايتي عنه:استجزته بالضريح الإدريسي بزرهون سنة 1336، فأجازني إجازة عامة، كما أخذت عنه جميع مسلسلات "حصر الشارد" بأعمالها، وأفادني كثيرا في علم التاريخ والتصوف، وكانت مكتبته رهن [18] إشارتي، وكم من مؤلفات ألفتها باقتراحه.
ولادته ووفاته:كانت ولادته بفاس في أواخر شوال سنة سبع وثلاثمائة وألف، ووفاته بسلا في زوال يوم الخميس الواحد والعشرين من شهر صفر سنة تسع وسبعين وثلاثمائة وألف، ألحقنا الله به مسلمين، لا مبدلين ولا مغيرين، وحشره في زمرة النبيئين والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، والسلام ختام.
انتهيت من مراجعة هذه الرسالة وتصحيحها من خط المؤلف رضي الله عنه أنا محمد حمزة بن محمد علي بن محمد المنتصر بالله الكتاني في أواخر جمادى الثانية من عام 1428 برباط الفتح، والحمد لله رب العالمين.