ومن كلام سيدي على الخواص: عليك بالرحمة بالمسلمين إن أردت أن ترحم ومن الرحمة لهم أن تحمل همومهم.
قال واعلم: ان حملنا لهموم إخواننا المسلمين لا ينافى التسليم كما توهمه بعضهم فالعبد يحمل هم إخوانه من كسبهم للذنوب التي استحقوا بها البلاء النازل عليهم ويسلم من حيث التقدير الإلهي الذي سبق به العلم إذ لا يمكن رد مثل ذلك فافهم فانه قد غلط في ذلك جماعة من مشايخ الجهل زاعمين أنهم مسلمون لله تعالى ويخرجون على من يرونه يحمل هم إخوانه ويقولون: ما لفلان ومعارضة الأقدار؟ ويتوهمون ما هم عليه أكمل وهو جهل وقد كان الإمام عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إذا نزل بالمسلمين بلاء لا يضحك قط وكذلك عمر بن عبد العزيز وسفيان الثوري وعطاء السلمي حتى يرتفع البلاء.
قالوا: الرحمة خاصة والبلاء عام وذلك من جملة رحمة الله تعالى.
ومن آدابهم: عدم شكواهم إلى الخلق ما يصيبهم من بلاء ومحن وغير ذلك.
ومن وصية سيدي عبد القادر الجيلي: احذر ان تشكو ربك وأنت معافى في بدنك أو لك قدرة على تحمل هذا البلاء بالقدرة التي قواك بها فتقول: ليس عندي قوة ولا قدرة أو تشكو إلى خلقه وعندك نعم مما انعم بها عليك وتقصد بتلك الشكوى الزيادة من خلقه وأنت متعام عما له عندك من العافية والنعم.
فاحذر من الشكوى لمخلوق جهدك ولو تقطع لحمك فان أكثر ما ينزل بابن أدم من البلاء من جهة شكواه.
وكيف يشكو العبد من هو أرحم به من والدته الشفيقة.
ومن آدابهم: كثرة شكرهم للنعم امتثالا للأمر لا طلبا لزيادة.
ومن كلامهم: عليك بشكر النعم فان من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها واحذر أن يكون شكرك لأجلها بل اجعل شكرك امتثالا لأمر ربك بالشكر.
ولهذا:
قال تعالى: (أن اشكر لي) آية 14 من سورة لقمان.
ومن آدابهم:
شدة سترهم لمقامهم فقد قالوا: الكامل من يهضم نفسه حتى يزكيه ربه.
وقالوا أحسن بذور الحرث ما بذره ثم ستره بعد ما بذره حتى نبت في بطن الأرض وأقبحه ما نبت فوقها لأنه لا ثبات له.
ومن آدابهم: ترك التدبير وهو على قسمين: تدبير محمود وتدبير مذموم.
فالمحمود: ما كان فيما يقربك إلى الله تعالى كالتدبير في براءة الذمم من حقوق العباد إما وفاء وإما استحلالا وفى تصحيح التوبة وفيما يؤدى إلى قمع الهوى والشيطان.
والتدبير المذموم: تدبير الدنيا للدنيا وهو أن يدبر في أسباب جمعها افتخارا بها واستكثارا وكلما ازداد منها شيئا ازداد منها غفلة واغترارا.
وأمارة ذلك أن تشغله عن الموافقة وتؤديه إلى المخالفة.
أما تدبير الدنيا للآخرة فلا بأس به كمن يدبر المتاجر ليأكل حلالا وينعم منها على ذوى الفاقة اتصالا ويصون بها وجهه عن السؤال إجمالا وأمارة ذلك عدم الاستكثار والادخار والأسعار منها والإيثار.
ومن آدابهم: ترك الاختيار مع الله تعالى: فقد ذكروا أن بنى إسرائيل لما جعلوا لهم مع الله اختيارا ضربت عليهم الذلة والمسكنة.
وقالوا: إياك والفرار من حالة أقامك الله فيها فإن من الخير ما اختاره الله لك.
وتأمل عيسى علي نبينا وعليه الصلاة والسلام. لما فر من بنى إسرائيل حين عظموه كيف عبد من دون الله تعالى..؟ فوقع في حال أشد مما فر منه.
وقالوا: أصل اختيار العبد إنما هو ظن العبد: انه مخلوق لنفسه والحق تعالى ما خلق العبد إلا له سبحانه:
قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الاية56 من سورة الذاريات.
وقالوا:
لا تركن إلى شيء ولا تأمن مكر شيء ولا لغير شيء ولا تختر شيئا فانك لا تدرى أتصل إلى ما اخترته أم لا.
ثم ان وصلت إليه فلا تدرى ألك فيه خير أم لا..؟
ولا تقف مع شيء ولا تحزن على شيء خرج منك فإنه لو كان لك ما خرج منك.
ولا تفرح بما يحصل لك من أمور الدارين سوى الله تعالى فان ما سوى الله تعالى عدم.
ومن آدابهم: أن يرضوا بالدون في كل شيء تحبه النفس من شهوات الدنيا وأن يثبتوا إذا ضيق الله عليهم في المعيشة.
ثم لا يخفى أن من رضي بالدون من كل شيء تحبه النفس من شهوات الدنيا لم يقع بينه وبين احد منازعة ولا خصومة واستراح قلبه وبدنه من التعب في تحصيل الزائد عن الحاجة.
فان رزق كسرة من الشعير قنع بها وشكر الله عليها وان رزق حبة قنع بها وشكر الله عليها.
ثم بعد ذلك إن جاءه أمر زائد أكثر من الشكر عليه باللسان والبدن.
ومن آدابهم: لا يقولون لمن قصدهم في حاجة: ارجع وتعال ألينا في وقت أخر.
ولا يمنعون سائلا إلا لحكمة لا شحا وبخلا.
ومن آدابهم: كل موضع عظمهم الناس فيه خافوا منه الفتنة لا يألفونه.
ومن آدابهم: قلة التحدث على الأكل لأنهم جالسون حقيقة على مائدة الله تعالى والله ناظر إليهم والى آدابهم وأثارهم وشكرهم له عز وجل وكذلك من آدابهم لا يأكلون من وسط الإناء عملا بالحديث:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن البركة لتنزل في وسط الإناء فكلوا من حافاته ولا تأكلوا من وسطه) عن عبدالله بن بسر.
ومن آدابهم إجابة أخيهم التقى إذا دعاهم إلى طعامه.
ومن كلام سيدي على الخواص: إذا دعاك أخوك المؤمن التقى إلى طعامه فأجبه تسره.
ولا تجب ظالما ولا فاجرا ولا من يعامل بالربا ولا من يخص الأغنياء بدعوته دون الفقراء.
وإذا أكلت فلا تتحرك حتى ترتفع المائدة فإن ذلك من سنة السلف الصالح.
وإذا غسلت يدك فادع بالبركة واستأذن في الخروج)
ومن وصية سيدي على الخواص: لا تأكل وحدك ولا في ظلمة ولا تضيع من الطعام شيئا فأن ما تقدم إليك لتأكله لا لترميه في الأرض.)
وليس من آدابهم: صرف وجوههم عن الحاضرين عند الشرب فال الشيخ نجم الدين البكري(إذا شرب أحدكم فليشرب ووجهه إلى القوم ولا يصرف وجهه عنهم كما يفعله العوام بقصد الاحترام).
وإذا فرغ أحدكم من غسل يده فليدع لمن يصب بنحو (طهرك الله من الذنوب).
ومن آدابهم: إذا استبرؤوا يجعلون يدهم من داخل الثوب ويخافون من وقوع يدهم اليمنى على فرجهم إكراما للقرآن العظيم وكتب العلم والمسبحة التي يسبحون عليها.
ومن كلام الشيخ أفضل الدين (إني لاستحى أن ادخل الخلاء) بثوب وقعت فيه الصلاة أو قرىء القران.
وربما أترك القراءة إذا تكلمت كلمة قبيحة زمانا طويلا حتى أنسى تلك الكلمة.
وكذلك أستحي أن أمسك فرجي بيدي اليمنى وقد بلغنا عن بعض الصحابة أنه لم يمس فرجه بيده اليمنى مذ بايع النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن آدابهم: تقصير ثيابهم.قال الحسن البصري في قوله تعالى: (وثيابك فطهر) آية 4 من سورة المدثر.أي فقصر.
وكذلك من آدابهم إذا لبسوا ثوبا جديدا لا يغفلون عن قول(الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول منى ولا قوة) لما روى أبو داود عن معاذ بن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. (من أكل طعاما فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول منى ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه, ومن لبس ثوبا جديدا فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول منى ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) رواه أبو داود والحاكم ولم يقل: وما تأخر وقال: صحيح الإسناد' وروى الترمذي وابن ماجة شطره الأول وقال الترمذي حديث حسن غريب.
ومن آدابهم: إكرام أهل الحرف المشروعة وتعظيمهم بطريق الشرع لأنهم متخلقون بالأدب مع الله تعالى ومع الكون وان كانوا لا يشعرون بذلك.
ومن آدابهم: تعظيم العلماء وحملة القرآن الكريم محبة في رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم حملة شريعته المطهرة.
ومن آدابهم: لا يمرون راكبين على من علمهم من علمهم شيئا من القرآن العظيم.ولو صاروا من مشايخ العصر ولا يمشون أمامه ولا ينسونه من الهدية والشكر والدعاء ولا يتزوجون له مطلقة أو امرأة مات عنها ولا يتولون له وظيفة عزل عنها ولو سئلوا فيها لأنه أبو الروح.
وقد كان الشيخ شمس الدين الديروطى صاحب(البرج) بدمياط إذا مر على فقيه ينزل عن دابته ويسوقها أمامه ويقبل يده ثم لا يركب حتى يبعد عنه جدا ويتوارى عنه بجدار أو نحوه مع أنه بلغ من العلم الغاية وشرح (المنهاج) وغيره.
ومن آدابهم: لا يزهدون في الدنيا إلا لكونها مبغوضة لله تعالى: قال تعالى(إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام) آية 24 من سورة يونس.
لا لعلة أخرى من راحة البدن أو تخفيف حساب وكذلك لا يزهدون فيما بأيدي الناس إلا امتثالا للأمر وليحبهم الناس فيشفعوا فيهم عند ربهم إذا وقعت المؤاخذة على الذنوب لا لعلة أخرى من إقامة جاه أو انتشار صيت عندهم.
ومن آدابهم التباعد عن كل من يرونه من العلماء لا يعمل بعلمه مع إحسان الظن به.
يتبع