بسم الله الرحمن الرحيم . اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما اغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي الى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم.
هذه رسالة في الاختلاف بين الأشاعرة والماتريدية لابن كمال باشا وقد طبعت هذه الرسالة باستانبول ضمن مجموعة فيها خمس رسائل، سنة 1304هـ، ص 57-59.
قال رحمه الله: اعلم أن الشيخ أبا الحسن الأشعري إمام أهل السنة ومقدمهم، ثم الشيخ أبو منصور الماتريدي، وأن أصحاب الشافعيّ وأتباعه تابعون له، أي لأبي الحسن الأشعري في الأصول وللشافعيّ في الفروع. وأن أصحاب أبي حنيفة تابعون للشيخ أبو منصور الماتريدي في الأصول، ولأبي حنيفة في الفروع، كما أفادنا بعض مشايخنا رحمه الله تعالى، ولا نزاع بين الشيخين وأتباعه إلا في اثني عشر مسألة.
المسألة الأولى قال الماتريدي: التكوين صفة أزلية قائمة بذات الله تعالى كجميع صفاته، وهو غير المكوّن، ويتعلق بالمكوّن من العالم، وكل جزء منه بوقت وجوده كما أن إرادة الله تعالى أزلية يتعلق بالمرادات بوقت وجودها، وكذا قدرته تعالى الأزلية مع مقدوراتها.
وقال الأشعريّ: إنها صفة حادثة غير قائمة بذات الله تعالى، وهي من الصفات الفعلية عنده لا من الصفات الأزلية، والصفات الفعلية كلها حادثة كالتكوين والإيجاد، ويتعلق وجود العالم بخطاب كن.
المسألة الثانية
قال الماتريدي: كلام الله تعالى ليس بمسموع، وإنما المسموع الدال عليه.
وقال الأشعريّ: مسموع كما هو المشهور من حكاية موسى عليه السلام.
قال ابن فورك: المسموع عند قراءة القارئ شيئين: صوت القارئ وكلام الله تعالى.
وقال القاضي الباقلاني: كلام الله تعالى غير مسموع على العادة الجارية، ولكن يجوز أن يسمع الله تعالى من شاء من خلقه على خلاف قياس العادة من غير واسطة الحروف والصوت.
قال أبو إسحاق الإسفرايني ومن تبعه: أن كلام الله تعالى غير مسموع أصلا، وهو اختيار الشيخ أبي منصور الماتريدي كذا في البداية.
المسألة الثالثة:
قال الماتريدي: صانع العالم موصوف بالحكمة سواء كانت بمعنى العلم أو بمعنى الإحكام.
وقال الأشعري: إن كانت بمعنى العلم فهي صفة أزلية قائمة بذات الله تعالى، وإن كانت بمعنى الإحكام فهي صفة حادثة من قبيل التكوين، لا يوصف ذات الباري بها.
المسألة الرابعة
قال الماتريدي: إن الله يريد بجميع الكائنات جوهرا أو عرضا طاعة أو معصية، إلا أن الطاعة تقع بمشيئة الله وإرادته وقضائه وقدرته ورضائه ومحبته وأمره، وإن المعصية تقع بمشيئة الله تعالى وإرادته وقضائه لا برضائه ومحبته وأمره.
وقال الأشعريّ: إن رضاء الله تعالى ومحبته شامل بجميع الكائنات كإرادته.
المسألة الخامسة
تكليف ما لا يطاق ليس بجائز عند الماتريدي، وتحميل مالا يطاق عنده جائز، وكلاهما جائزان عند الأشعريّ
المسألة السادسة
قال الماتريدي: بعض الأحكام المتعلقة بالتكليف معلوم بالعقل، لأن العقل آلة يدرك بها حسن بعض الأشياء وقبحها، وبها يدرك وجوب الإيمان وشكر المنعم، وإن المعرف والموجب هو الله تعالى، لكن بواسطة العقل كما أن الرسول معروف الوجوب والموجب الحقيقي هو الله تعالى لكن بواسطة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى قال: لا عذر لأحد في الجهل بخالقه، ألا يرى خلق السموات والأرض ؟! ولو لم يبعث رسولا، لوجب على الخلق معرفته بعقولهم.
وقال الأشعري: لا يجب شيء ولا يحرم إلا بالشرع لا بالعقل، وإن كان للعقل أن يدرك حس بعض الأشياء، وعند الأشعريّ جميع الأحكام المتعلقة بالتكليف تلقاه بالسمع.
المسألة السابعة
قال الماتريدي: قد يسعد الشقيّ وقد يشقى السعيد.
وقال الأشعريّ: لا اعتبار بالسعادة والشقاوة إلا عند الخاتمة والعاقبة.
المسألة الثامنة
العفو عن الكفر ليس بجائز.
وقال الأشعريّ: يجوز عقلا لا سمعا.
المسألة التاسعة
قال الماتريدي: تخليد المؤمنين في النار، وتخليد الكافر في الجنة لا يجوز عقلا، ولا سمعا.
وعند الأشعري: يجوز.
المسألة العاشرة
قال بعض الماتريدية: الاسم والمسمى واحد.
وقال الأشعريّ: بالتغاير بينهما وبين التسمية، ومنهم من قسم الاسم إلى ثلاثة أقسام: قسم عينه، وقسم غيره، وقسم ليس بعينه ولا بغيره، والاتفاق على أن التسمية وغيرها وهي ما قامت بالمسمى، كذا بداية الكلام.
المسألة الحادية عشر
قال الماتريدي: الذكورة شرط في النبوة، حتى لا يجوز أن يكون الأنثى نبيا.
وقال الأشعريّ: ليست الذكورة شرطا فيها، والأنوثة لا تنافيها، كذا في بداية الكلام.
المسألة الثانية عشر
قال الماتريدي: فعل العبد يسمى كسباً لا خلقاً، وفعل الحق يسمى خلقاً لا كسباً، والفعل يتناولهما.
وقال الأشعري: الفعل عبارة عن الإيجاد حقيقة، وكسب العبد يسمى فعلاً بالمجاز، وقد تفرد القادر خلقاً وما لا يجوز تفرد القادر به كسباً.
تمت الرسالة الشريفة لابن كمال باشا رحمه الله تعالى.