بسم الله الرحمن الرحيم
لم استطاع اهل القرون التلاثة الأولى ان يتعايش فيها اهل التزكية واهل العلم.القصة المشهورة لتبرك امام الشافعي بقميص امام احمد ابن حنبل ابان محنة الأخير في مسألة خلق القرآن.
تتلمذ امام احمد و زيارته للأمام المحاسبي رفقة مريديه.
والأدلة كثيرة،كيف استطاع هؤلاء ان يسعهم الخلاف و نحن لايسعنا الا الضيق.
من أهل الله لايرى في هذا التنوع الا دليلا على رفق الله بنا ،و انتظارا الى ان يبعث الله المجدد الكامل فينا ،اراد الله هذا التنوع حتى يحفظ الدين بجميع فروعه فابتعث اهل الله الصوفية فحفظوا لنا المعاني القلبية،وابتعث علماء الحديث فدونوا الحديث و سبرو ا في الرجال ،فميزوا الكاذب من الصادق،وبعث الله فينا الفقهاء فضبطوا لنا الحكم الشرعي و اصوله و مقاصده، حتى يأذن الله ببروز الولي الكامل المكمل السائر على خطى النبي صلى الله عليه في الأمر كله.
تاريخ المسلمين مليء بالنماذج النورانية للفلتات التي كانت منارا في الطريق.
لم يستطع احد ان ينكر تجديد حسن البنا للدين في التأليف و الحركة و البناء.
لم يجحد احد منهم ما قام به الأمام الأغر مولانا عمر ابن عبد العزيز في الحكم.
لا احد يناقش امامة الولي الكامل سيدنا عبد القادر الجيلاني ابن تيمية قال فيه في فتاويه_الأمام العارف القدوة_.
صرختان وجهها سيد حوى ايام عمر التلمساني عن ازمة الأخوان الروحية.كتب كتابه الأول تربيتنا الروحية،ثم مذكرات في منازل الربانيين و الصديقيين.
ومن يستطيع ان ينفي هذه الأزمة؟الا جاحد منكر .اين الخلل.
الأمام سعيد رمضان البوطي يصدر كتابه اللاذع الباطن الأثم،والكتاب موجه لفئة مخصوصة ابناء الحركة الأسلامية المجاهدة.
منهم من ينصح بقراءة احياء علوم الدين الغزالي حتى يشم رائحة الزهد و الرقائق و كانها نزهة فكرية .
اذن السؤال المطروح كيف اصير وليا،وما الولاية ،ومامراتبها؟سؤال قد يطرحه كل من أراد ان يرتوي من نبع النبوة الصافي عن طريق اتخاذ صحبة مصحوب دال على الله؟
وآخر سيسأل كيف اصير عالما؟
وآخر محدثا؟وآخر يبحث عن مدرسة اهل البيث بشقيها الجعفري و الزيدي و آخر رافضي؟
ويظل الخلاف كما نرى فكيف نفعل؟
إن لدى دعاة الباطل، لبراليين واشتراكيين، وقوميين، و"يسار إسلاميين"، وكل مزيج مريج من هذه الأصناف، نسقا واضحا لتحليل الواقع، ونقده، وتحليل التاريخ، ورسم مسار ممكن للمستقبل. ونحن نبقى في عموميات مطالبنا الراقية، نعبر عنها بعواطفنا الجياشة الصادقة المشتاقة لغد الإسلام الأغر.
هذه العاطفية تلف في غلالة حانية متسامحة عذبة تاريخنا في نظر أنفسنا. فلا يزال منا من ينشد ضالته عند النموذج التليد على عهد هارون الرشيد. لا ينتبه لحظة أن هذا الملك، العظيم حقا في ميزان الدنيا، ليس في ميزان الإسلام وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ملكا عاضا يجرحه عضه ويسقطه عن مرتبة الاعتبار الشرعي. بعاطفة الحزين على حاضر المسلمين الهزيل، نندفع لاستدعاء أمجاد "شوكة الإسلام"، وهو تعبير للإمام الغزالي برر به رحمه الله دفاعه عن المستظهر العباسي. نستدعي صورة ذلك العهد القوي سلطانا، نحسب أننا بذلك ننتقم لتفاهتنا الغثائية الحاضرة. ما درينا أننا بإعزازنا للملك العاض الماضي نعز الملك الجبري الحاضر، ونعمل على تعمية آثار الهدي النبوي والوصية النبوية الكفيلين وحدهما، تعليما ينير معالم الطريق، وأوامر للتنفيذ، ونموذجا للاحتذاء، بإنهاء غثائيتنا حين نمشي على المنهاج، ونصحب، بالنظر الناقد الماسك على القول الشريف، تطور الأمر حين بدأ الصراع بين القرآن والسلطان، وحين غلب السيف، وحين غابت الشورى وغاب العدل واختفى الإحسان، حين تفتت الفقه، وحين سيقت الأمة إلى التمزق فالاحتلال الاستعماري فبروز المغربين وجند الشياطين يعيثون في الأمة فسادا.
لا بد لنا إذن من إرساء قواعدنا على مكين الكتاب والسنة لأن العاطفة المجنحة خبال، ولأن فقه سلفنا الصالح الذين عاشوا رهائن مقهورة في قبضة العض والجبر لم يخلفوا لنا إلا نثارا من العلم لا يجمعه مشروع متكامل لأن الحديث عن الحكم وسلطانه ما كان ليقبل والسيف مصلت، وما كان بالتالي ليعقل أو ينشر، إلا إذا احتمى في جزئيات "الأحكام السلطانية" التي تقنن للنظام القائم لا تتحدث عنه إلا باحترام تام، أو دخل في جنينات آداب البلاط المزينة بفضائل الأمراء وحِكَمِ الإحسان الأبوي إلى الرعية.
المنهاج النبوي ضروري لتفسير التاريخ والواقع، ضروري لفتح النظرة المستقبلية، ضروري لرسم الخطة الإسلامية دعوة ودولة، تربية وتنظيما وزحفا، ضروري لمعرفة الروابط الشرعية بين أمل الأمة وجهادها، ضروري لمعرفة مقومات الأمة وهي تبحث عن وحدتها، ضروري لإحياء عوامل التوحيد والتجديد، ضروري لمعالجة مشاكل الأمة الحالية قصد إعادة البناء.
إن الصراع السياسي الداخلي والخارجي قبل القومة وأثناءها وبعدها إما أن يستحضر التوجيه النبوي الذي حذرنا بكامل الوضوح من العض والجبر فيمكننا عندئذ أن نتخطى أنظمة الفتنة ونؤسس خلافة الشورى والعدل والإحسان، وإما أن نهيم على وجه الآمال الحالمة بأمجاد العباسيين وشوكة آل عثمان، رحم الله الجميع، فنقبع في سجن الأمية التاريخية وسجن الإعراض عن الوصية الخالدة الواعدة بمرحلة الخلافة الثانية المتميزة في نظامها.
إننا لا نقصد التنقيص من شوكة ملوك المسلمين لا سيما من أبلوا منهم البلاء الحسن في الدفاع عن الحمى. لا وليس قصدنا هنا التعرض لنقد الأشخاص وقد كان منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، لكن نقصد نظام الحكم، إعادة تاريخه على معايير الإسلام، غير متأثرين بمقتضيات المفاخرة والمساجلة التي يتخذها القوميون العرب طبولا تطن على الأسماع.
أستعمل كلمة "قومة" بدل "ثورة" تأصيلا للنهضة واليقظة والتعبئة والإعداد والزحف على مثال قوله تعالى : "وإنه لما قام عبد الله يدعوه" [1] . فتكون قومتنا على منهاج النبوة، وتطلعنا بعد العض والجبر إلى الخلافة على منهاج النبوة، ومعالجتنا لكل صغيرة وكبيرة بتفكير منهاجي وأسلوب منهاجي وخطوات تتأسى بخطوات الرسل عليهم السلام، تتوج حكمة خطواتهم الموفقة بالنموذج المحمدي، صلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
[1] الآية (19) من سورة الجن.