الأدب المغربي والبحث العلمي
لقاء حول أعمال الباحثة نور الهدى الكتاني
آمال الحسيني
قراءة في صحف الدكتورة
برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمنسك بالدار البيضاء، نظم ماستر الدراسات الأدبية والثقافية بالمغرب ومختبر السرديات بالتنسيق مع المركز العلمي للبحث والتوثيق حول التصوف، مائدة مستديرة يوم الخميس 24 دجنبر2009 حول "الأدب المغربي والبحث العلمي" قراءة في أعمال الدكتورة الباحثة نور الهدى الكتاني. المهتمة طيلة مسارها العلمي الحافل بالبحث والتنقيب والتحقيق في مجالات ترتبط بالأدب المغربي عبر مراحله التاريخية المطبوعة بميسم الإبداع والتجديد.
تميز اللقاء بحضور عدد من الباحثين والمنشغلين بالأدب والثقافة في المغرب، إلى جانب حضور أساتذة من الجزائر عبروا عن عمق اهتمامهم بالنصوص التي اشتغلت د/ الكتاني على تحقيقها باعتبارها نصوصا تنتمي إلى الأدب المغاربي.
ترأس أشغال اللقاء في البداية د/جواد بنيس مستعرضا أهمية الأعمال التي تنشغل بها د/ نور الهدى ، وفي الاتجاه نفسه جاءت كلمة الباحثين في ماستر الدراسات الأدبية والثقافية بالمغرب منوهة بإسهامات الأستاذة في إغناء الدرس الجامعي وخدمة البحث الأكاديمي المغربي.
أعطيت الكلمة بعد ذلك للباحثة نور الهدى الكتاني مفتتحة كلمتها بسرد محطات من مسارها العلمي عبر ما عمقته التربية العلمية التي تلقتها من جهة، والتكوين الأكاديمي الرصين بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط من جهة أخرى، على يد أساتذة أجلاء من أمثال محمد المنوني، محمد إبراهيم الكتاني، محمد بن شريفة، وعباس الجراري. الشيء الذي وجهها ودفعها للانشغال بالتحقيق رغم ما يحتاجه هذا الأخير من ضبط واشتغال على النصوص وشروحاتها، والبحث في مصادر موازية لتعميق الإحاطة بالنص وملء بياضاته وتتبع الأعلام والتراجم.
كانت زبدة ذلك كله تحقيقها لديوان ابن الصباغ الجذامي، موضوع بحثها لنيل دبلوم الدراسات العليا1985، ونشره بالمجمع الثقافي بأبوظبي سنة 2003. وتحقيق آخر لكتاب "أشرف الأماني في ترجمة الشيخ محمد الكتاني الشهيد" من تأليف الشيخ محمد الباقر الكتاني والصادر عن دار ابن حزم ببيروت سنة 2005، كما اشتغلت الأستاذة في إطار بحث الدكتوراه على موضوع الأدب الصوفي في المغرب والأندلس في عهد الموحدين. الذي نشر فيما بعد.
التحقيق في الأدب والتاريخ
الكتاب الأخير كان موضوع المداخلة الأولى التي قدمها د/ حكيم الفضيل الإدريسي. مستهلا إياها بإبراز مكانة الأسرة الكتانية علما وصلاحا ، وقيمة التراث الصوفي في الذاكرة المغربية، خصوصا إبان العصر الموحدي المشتهر بكونه عصر تصوف بامتياز نتيجة الصراع مع المرينيين، صراع كان له أكبر الأثر في تقوية الوازع الديني والروحي والأخلاقي عند الناس، وهو ما عملت الصوفية على تقويته.
عرج الباحث لاحقا على مضامين الكتاب، التي تضمنت تعريفا للأدب الصوفي في صعوبة تصور انفصاله عن التجربة الصوفية، مشيرا إلى اعتماد د/الكتاني المنهج السردي الوصفي والتاريخي للإلمام بالموضوع المنشغل بالأدب شعره ونثره. فشعرا، عرف العصر شعراء كبار من أمثال ابن الصباغ الجذامي وابن عربي والششتري، ونثرا اتسم العصر بظهور فنون متنوعة كالرسائل الحجازية، الخطب الوعظية الدينية، الرسائل الصوفية، كتب السيرة، ومدح النعال النبوية الشريفة.
ركز د/الفضيل على الثورة العظيمة التي أحدثها التصوف على مستوى الدلالات والمعاني، فكان ذلك توجيها ذكيا للمجتمع إلى قيم الإسلام العالية.
وتأمل االباحث كذلك أهمية ما تضمنه الكتاب من تراجم للمتصوفة بالاتجاهين السلوكي والعرفاني. ليختتم مداخلته منوها ببحث الأستاذة وأهميته في التعرف أكثر على العطاء الإبداعي للمتصوفة.
المداخلة الثانية كانت للباحث د/ محمد الفلاح العلوي، تناول فيها مناقشة كتاب "أشرف الأماني في ترجمة الشيخ محمد الكتاني الشهيد" تأليف الشيخ محمد الباقر الكتاني وتحقيق الأستاذة نور الهدى الكتاني. استهلها بالتأكيد على ضرورة الاعتراف بالآخر والاحتفاء به، خاصة حينما يكون له حضور علمي وازن يماثل حضور المحتفى بها. مذكرا بالتفاعل المستمر والحضاري بين حقلين يتقاطعان في الكثير من حدودهما(الأدب والتاريخ).
بعد ذلك تولى المتدخل تقديم الكتاب الذي صدر ضمن سلسلة النفائس الكتانية 2005.أولا من حيث الشكل، إذ نوه باهتمام المحققة بفهارس الأعلام والشخصيات والأماكن ...، وثانيا من حيث المضمون، مبرزا مجهودها في تصحيح المتن من الأخطاء والعناية بالجوانب الأدبية والثقافية. ثم أشار لأقسام الكتاب: إذ خصصت د/نور الهدى القسم الأول لترجمة المؤلف، والثاني انصب على الاهتمام بالتطور الذي عرفته الطريقة الكتانية في التصوف، أما الثالث فحاول الإحاطة بما قيل في صاحب الترجمة من مدح شعرا ونثرا.
المداخلة الثالثة لشعيب حليفي قدم خلالها قراءة للتحقيق الذي أعدته الباحثة نور الهدى لديوان ابن الصباغ، وعنونها ب"أيام الشاعر الأخيرة" . ألمح في بدايتها لإسهام الشعر العربي عامة في رسم متخيل إنساني عبِّر عن هوية الذات والحياة برؤية فنية فلسفية. إسهام لم يتصد له كبار الشعراء فحسب، بل حتى المغمورون ممن خانهم حظ التلقي والانتشار رغم منجزهم الشعري المائز. ويعتبر الشاعر المغربي ابن الصباغ الجذامي (687-751ه) أحد هؤلاء.
حدد د/ حليفي ثلاثة تحولات/ محن كبرى كانت ثاوية وراء إبداعية الجذامي الشعرية، ارتبط أولها بالسياسي في المغرب والأندلس والثاني بالحياة العائلية، ثم الثالث المرتبط بالثقافة خاصة في جانبها الصوفي.
وأقر المتدخل بأن الفضل في إحياء صوت ابن الصباغ الجذامي يرجع للمقري وابن القطان قديما، وإلى نور الهدى الكتاني حديثا، والتي نقبت لسنوات وبمجهود أكاديمي واضح وحققت النسخة الوحيدة من الديوان سنة 1985 ثم عملت على إخراجها إلى الوجود عام 2003.
في نهاية المداخلة أشار لمحتويات الديوان المحقق، وتوقف عند الخصيصات الفنية والشعرية للشاعر الجذامي.
بعد إنهاء المداخلات فتح باب النقاش أمام الحضور الكثيف والنوعي الذي أثرى اللقاء بتدخلات قيمة، اهتمت –أغلبها- بإضاءة ملمح دور التصوف ضمن النسيج الثقافي في مسار تاريخ الأدب المغربي ، وتأمل عمل المحقق باعتباره معبرا أو وسيطا بين النص وقارئه.
-منقوووووول-