بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد و على آله وصحبه ، وبعد
لا انتهي من مبحث خاص الا و يراودني عند النوم مبحث آخر ، هو اشد خصوصية من سابقيه ، هذا المبحث أهديه الى المؤمنين خاصة من أهل الطريق في هذا المنتدى المبارك، لكنه موجه الى كل أخ أو اخت ممن أنقذوني من براثن التصوف السلبي ، أو من أدعياء الحقيقة ، أو أصحاب النص الحاكم بهوى القلب بحسب الوقت و الحال وما تأتي به القدرة من الحكم.
اسمي هذه الآية دستور لمعرفة صدق الولي المربي ، فأن لم تجد فيه معالم هذا الدستور فأستقل من تربيته و استرح، وأطلب غيره.
يقول المولى تعالى في سورة التوبة لقد جائكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ، فأن تولوا فقل حسبي الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم).
التوبة آ 128،129. يذكر ابن كثير في تفسيره ، أن سبب نزول هتين الآيتين ، ما وقع لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعد ابتلاء ثقيف ، فجائت الآية الكريمة تضع الوجود النبوي في شخصه الكريم صلى الله عليه وسلم في أعلى مقام وهي " من أنفسكم" ، ومن أهل الله و القراء من يقرأها بفتح الفاء، و أنفسكم لها دلالات كثيرة:
- منها أن قلبه صلى الله عليه وسلم يسع الأمة بأسرها في حياته ومماته صلى الله عليه وسلم ، يمد الصالح منها بالنور و الفيض ، و الغافل فيها بالتوبة و اليقظة ،و المتبرجة بصلاح حالها عند العودة ، وبالزاني بالأقلاع عن سفاحه و فجوره ، والظلم بأعادة مظالمه ، و الضال بالهداية ،والولي المربي بدقائق الفهوم و المواهب ، والوارث بوراثة حال العلم والقلب و الروح و العقل ، فهو صلى الله عليه في حياته بلغ و جاهد ووحد ، وفي مما ته في حياته البرزخية يستغفر لأمته و يدعو لها بالخير.
- من دلالات انفسكم لا يجوز للسائر في طريق الله ان يشعر باصطفاء ما ، بقدر ما تنبهه الى حقيقة مرة أن لم يخذم امة الحبيب صلى الله عليه وسلم ، فعلامة حبه للجناب النبوي علامة استفهام؟.
- من دلالات أنفسكم ، أنه صلى الله عليه وسلم له و لاية خاصة علينا في النفس و المال و القلب ، وولاية خاصة خاصة فيما رشحهم عبر الزمان لحمل همه التربوي عبر ما يسميه اهل الله تعالى بالسند التربوي.وهي أمانة ثقيلة تتطلب من صاحبها اجتهاد عظيم فيما جاء في كلام الله تعالى : بالمؤمنين رؤوف رحيم.
- من دلالات أنسكم ، انه صلى الله عليه وسلم يقسم الرزق الروحي بين الخلق ، ويمد سائر الولياء عبر الزمان بالمدد و الفيض، وانه صلى الله عليه وسلم الظاهر الباطن فيهم بحسب الزمان و المكان .
هذه دلالات أنفسكم.أرجو الله ان يفيض علينا من علوم أهل القرآن آمين.
ومن دلالات الرحمة و الرأفة ، أورد نموذجا من الفهم الأصيل لهته الكلمتين ، يقول الشيخ عبد السلام ياسين في المنهاج النبوي : روى الشيخان عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله". سواء أمرنا الخاص والأمر العام للمسلمين.
وفي رواية لمسلم: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه. ولا ينزع من شيء إلا شانه". وفي رواية أخرى له: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف". وفي الحديث الأخير تقابل بين الرفق والعنف.
أمرنا في الدين بالتيسير والتبشير، فهذا رفق يقابله عنف فقيه يكفر المسلمين، وداع لا يفتح أبواب التوبة، ومشتاق لحكم الإسلام يتصوره ويصوره وجها حانقا، وسيفا مصلتا، وقلوبا لا ترحم.
يكون من صلب التربية والتعليم النظر في أمثلة حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأناته، وصبره، وتحمله، وشفقته على الخلق، ليكون ذلك لنا نموذجا يحتذى. فإننا لن نسع الناس، ولن ينفتح لنا الناس، إن تقدمنا إليهم بالوجه العابس والتشديد والتعسير. وفي السيرة المطهرة أمثلة رفيعة لرفق رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعليم الناس دينهم، وتدرجه بهم، وحلمه على ذوي الطباع الخشنة وقليلي الفقه. إن حلمه صلى الله عليه وسلم ورفقه حتى بالمنافقين يعطينا نموذج السلوك في فترة الانتقال حين يتعين علينا أن نحبب الإسلام لأقوام ألفوا التحرر من كل ضابط خلقي.
نزلت الشريعة الإسلامية بتدرج، وخرج المسلمون من جاهلية لإسلام بتدرج، وتميزوا عن المجتمع الجاهلي بتدرج، وبعد الهجرة أقاموا مجتمعا ودولة إسلاميين بتدرج، وحتى قطع حبال الجاهلية حصل بتدرج. انظر كيف احتفظ المسلمون، ومنهم عمر، بأزواجهم المشركات حتى صلح الحديبية حين نزل قول الله تعالى: "ولا تمسكوا بعصم الكوافر".
رفق، حلم، أناة.
شريعة الله نزلت، ديننا كمل، نعمة الله علينا تمت والحمد لله، فلا نقول، مثل ما يقوله بعض أدعياء الإسلام من أننا في المرحلة المكية لا يجب علينا صلاة ولا صيام. لا ولسنا والحمد لله ممن يترخص في فرض ولا سنة ولا فضيلة من فضائل الإسلام وفرائضه وسننه. إنما نقصد أن سيادة السلوك الإيماني على المجتمع في كل مستوياته لن يتم ضربة لازب. ليس التحويل الإسلامي مسرحا يرفع معه ديكور ليوضع ديكور، ويخرج المجرمون ليدخل الأتقياء البررة.
كان محمد صلى الله عليه وسلم رسولا مؤيدا معصوما، وكانت مزايلة الجاهلية وهي ظلام بين، والخروج إلى الإسلام وهو نور ساطع، بنزول الوحي وحضور المصطفى القائم بالقسط، أمرا فاصلا له حدود واضحة. أما التجديد من فتنة وهي غبش معتم غامض، إلى إسلام يختلف الناس في فهمه، ويتفاوتون في إدراك ما يعنيه بالنسبة للفرد والمجتمع والسياسة والاقتصاد والحياة اليومية، فأمر شاق يطلب رفقا وتدرجا، إن آثرنا البناء على الكسر والسير الثابت على القفز لا سيما وقد انقطع الوحي، وانتفت العصمة، وعظم الخطب من كل جانب.
على أن جند الله ينبغي أن يمثلوا الكتاب والسنة، إن لم يكن سلوكا مكتملا فتطلعا. ينبغي أن يذكروا الأمة بحياة الصحابة، إن لم يكن كليا فمحاذاة.) خصلة التؤدة ، الشعبة السابعة والستون : الرفق والأناة والحلم ورحمة الخلق.
فمن علامات الولي المربي أن شئت ما يلي :
- أن يسع قلبه للمسلمين جميعا و يحبهم ، الوهابي منهم حتى يعود من وهابيته ، والسلفي من سلفيته ، والمتجهم من تجهمه ، والطرقي الضال من ضلاله ، والفاجر المسلم من فجوره، والفاسق من فسوقه ، والعاص من عصيانه.
و يسعى لجمع المسلمين على أمر جامع بالكلمة الطيبة و المودة.
- ان لا يستعملك لهوى نفسه و مصالحه الشخصية ، وأنما يدعوك الى الله بالرفق ، حتى تنضج ثمرته فيك.
- ان حقه عليك في التسليم له في معارفه و الأنقياد بالطاعة لأوامره و الأعتقاد بأنه الواسطية بينك و بين الجناب النبوي.
- ان يعلمك المحبة القلبية الصحيحة لكل أهل الله تعالى ، وكيف تتأدب في حضرتهم ؟.
- أن يعلمك الحكمة المستمدة من القلب المرحوم ، فأن لم يكن كذلك يدعوك للتعصب لمورده فاتركه و استرح.
وعليه فأن الرحمة و الرأفة كلمتان عظيمتان و هذا غيض من فيض .
اسال الله ان يرحمنا آمين.