وفاة العلامة القطب الرباني سيدي عبدالحفيظ بودخيلي بوتشيش القادري
نعي
قال الله تعالى في كتابه العزيز:
﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (63) ﴿ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ﴾ (64) ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (64)
- سورة يونس -
ننعي إليكم بتلمسان المحروسة الجزائر وفاة شيحنا ومجيزنا الولي الصالح والنور الواضح العالم الجليل وبقية السلف ودعامة من دعائم العلم في العالم الإسلامي الفقيه الجليل
فضيلة الشيخ الحسيب النسيب المعمر العلامة سيدي عبدالحفيظ مولاي البودخيلي القادري نسبة ونسبا البوتشيشي الشريف الحسني ابن الطريقة القادرية البوتشيشية بالجزائر والمغرب
رحمه الله تعالى وعوضنا عن مصاب الأمة به خيرا
وهو يروي عن الشيخ العلامة الطاهر بن عاشور والعلامة الفتضل بن عاشور التونسي والغوث الرباني سيدي عمه سيدي بومدين بوتشيش القادري الحسني شيخ الطريقة القادرية البوتشيشية بالمغرب ويروي شيخنا أيضا عن الكتانيين بفاس وعن العارف بالله سيدي محمدالمدني القصيبي التونسي وعن علماء الجزائر وبغددباعرق الشقيق وعن الشيخ العارف بالله سيدي محمدالهاشمي التلمساني الدمشقي
توفي شيخنا ومجيزنا سيدي عبدالحفيظ بودخيلي بتلمسان عن عمر ناهز91عاما قدس الله سره ودفن لمقبرة العارف بالله سيدي السنوسي القريبة من ضريح الغوث الرباني سيدي بومدين التلمساني الشهير
وقد نعته قناة الأخبار الجزائرية وقناة العربية وإداعة تلمسان والجرائد الجزائرية لقد فقدت تلمسان بصفة خاصة والجزائر بصفة عامة أبرز علمائها الأجلاء الزهاد العباد الولي الصالح والنور الواضح سيدي عبدالحفيظ البودخيلي البوتشيشي ابن الطريقة القادرية البوتشيشيةوجرى ظهر الثلاثاء7ربيع الأول 1433ه موافق ل31جانفي 2012م تشييعه في تلمسان في مأتم حاشد مهيب بحضور حشود كبيرة من مريدي الطريقة البوتشيشية وقد نقل جثمان الراحل الكبير رحمه الله من منزله إلى المسجد الكبيربتلمسان بعد صلاة الظهر حيث تجمعت الحشود في الشارع الرئيسي والشوارع المحيطة بالمسجد ، وامتلأ المسجد بالحشود والوفود التي تقاطرت من جميع المناطق لإلقاء نظرة الوداع على الشيخ واستمر الأمر على هذا الحال إلى أن جاء وقت صلاة الظهر حيث أمّ المشيعين سماحة الشيخ الغمام الخطيب بوعلام براهيمي التلمساني أم المصلين في صلاة الجنازة على العلامة الشيخ سيدي عبدالحفيظ الوتشيشي القادري الحسني بعد ذلك نقل جثمان الراحل مشيا على الأقدام إلى مقبرة العارف بالله سيدي السنوسي بتلمسان بجوار سيدي بومدين الغوث حيث ووري الثرى على حسب الشريعة الإسلامية.وطلاب الشيخ رحمه الله وأبنه داخل المقبرة الشيخ العلامة الجليل سيدي بشير بوعلام المعسكري الشريف الحسني الناطق الرسمي باسم الطريقة القادرية البوتشيشية الصوفية تلميد الشيخ المربي سيدي محمدالصوفي وبحضور إخوة الراحل الأشقاء العلامة سيدي الحبيب الودخيلي البوتشيش وسيدي الشيخ عبدالغني البوتشيشي وجميع العائلة البوتشيشية وها نحن اليوم قد ابتلينا بفقد شيخنا الحبيب الإمام العلامة الشيخ سيدي عبدالحفيظ البوتشيشي الحسني التلمساني الجزائري الذي كان له علينا ما له من المِنّة إذ يسّر الله تبارك وتعالى لنا بسببه أن نغترف من معين العلم ونكون على حظٍ من المعرفة حيث كان رحمه الله عَلَمًا شامخًا وسراجًا منيرًا، يرشد ويُفقه ويبين للناس المفاهيم الصحيحة والتصوف السليم. ففتح الله تبارك وتعالى بهذا العالم الرباني أعينًا عميًا وءاذانًا صُمًّا، فأحبه الناس الذين ءاثروا التمسك بتعاليم الدين الحنيف والسير على درب الاعتدال بعيدًا عن الغلو والتطرف.
مات شيخنا عبدالحفيظ البوتشيشي رحمه الله وأعلى مقامه، والموت حق، لكن الدعوة مستمرة فالشيخ رجلٌ من أمةٍ إمامها سيد المرسلين محمد بن عبد الله الهاشمي ، أمة خرج منها الأبطال والعلماء والأولياء فهو سليل بيت النبوة الهاشمية وجده القطب الرباني سيدي عبدالقادر الجيلاني قدس الله سره . وسلوانا أن نتذكر ما قاله حسان ابن ثابت رضي الله عنه في رثاء سيد الأولين والآخرين سيدنا وعظيمنا محمد :
إصبر لكـل مصـيبةٍ وتجلّدِ
واعلم بأن المرء غـير مخلّدِ
وإذا أتتك مصيبةٌ تشجى بها
فاذكرْ مُصابك بالنبيّ محمد
نِعْمَ النعمةُ الصبر ونِعْمَ العاقبةُ الثوابُ والأجر، فلقد ءامنا بالله وبما جاء على لسان رسول الله، وقرأنا في كتاب الله تعالى قوله ﴿وبشر الصابرين﴾ وقوله ﴿يا أيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا﴾ وقوله ﴿إنما يُوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب﴾ وقوله ﴿ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور﴾ وءاياتٍ كثيرة كثيرة.
وبلغنا عن رسول الله قوله «الصبر ضياء»، وقوله «مَن يتصبر يُصبّرُهُ الله ما أعطيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر». وقوله «ما يصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا هَمّ ولا حَزَنٍ ولا أذى ولا غَمّ حتى الشوكة يُشَاكها إلا كفَّرَ الله بها من خطاياه» وأحاديث كثيرة كثيرة.
وقد جاء في فضائل الصبر وحسن عاقبة الصابرين ما يطول ذكره وبسطه، فطوبى لمن عرف حقيقة الدنيا فلم ينخدع بها وعرف ما يُنجيه فقام به وصبر عليه، فإنما أيام الدنيا قليلة وقصار، ومتاعها إلى خراب فاثبت أيها العاقل على طاعة الله تعالى واذكر قول أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه وكرّم وجهه: «ارتحلت الدنيا وهي مُدبرة وارتحلت الآخرة وهي مُقبلة فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا اليوم العمل ولا حساب وغدًا الحساب ولا عمل».
وقد قدم التعزية لأهله من دمشق الشيخ عبدالوهاب بوعافية التلمساني الدمشقي أحد خلفاء شيخنا عبدالرحمان الشاغوري وأيضا قدم لهم التعزية من المغرب الشيخ المربي القطب سيدي حمزة بوتشيش شيخ الطريقة البوتشيشية القادرية بالمغرب الأقصى الشقيق ومن دمشق الشيخ العلامة سيدي عبدالهادي خرسة رحمك الله يا أيها الشيخ الطاهر، رحمك الله أيها المربي الفاضل والمرشد الكامل، لقد كنت أهلاً للأمانة وقمت بالمهمة خير قيام، وكنت جبلاً تتكسر تحته الصعااهنأ في قبرك يا معلم التوحيد فنهجك باقٍ مستمر، وصرحك ثابت شامخ، وسيبقى علمك فينا يا سيدي وكذا نصائحك وإرشاداتك سنفتقدك يا شيخ الزمان ويا كوكب العرفان، سنفتقد طلعتك البهية ونظراتك الدافئة التي لطالما غمرتنا بها حبا وعطفا وحنانا، سنفتقدك مربيًا فاضلاً وعالمًا جليلاً وأبًا حنونًا، سيفتقدك تلمسان الذي أرسيت فيه دعائم الخير وصروح المعرفة ستفقدك الطريقة القادرية البوتشيشية بالجزائر والمغرب التي كنت عنها مدافعا وحصنا منيعا ومع هذا الفقد نحن صابرون فالموت حق، ونرجو الله عزّ وجلّ أن يتغمدك بعميم رحمته، وينعم عليك جزيل عطائه وكرمه، وأن يرفع من مراتبك ومقاماتك في أعلى عليين، وأن يدخلك الجنة من باب الريان مع الصائمين، وأن يسكنك الفردوس الأعلى مع النبيين والصدقين والشهداء وحسن أولـٰئك رفيقًا ولسان الحال يقول:
نادى الـمـنـادي بصوت هـزّه الألـمُ غـاب الإمامُ الذي ضاءتْ بـه الأمـمُ
فاغرورقت أعينُ العشاق واشتعلتْ أكـبادُهـم في الحشا والـدمـعُ منسجمُ
نبكيك يا شيخَناعبدالحفيظ ما طـلعتْ شمسٌ نهـارًا ونـارُ الـقـلـب تحـتـدمُ على دربك في الممات كما في الحياة
سيدي، لم أكن أحسب نفسي يومًا أقف على مرمى حجر من جسدك الشريف أتلو كلمات صاغها يراع الحب والعشق والهيام
.سيدي، لم أكن أنا المريد بدرجة مبتدئ، أنظر يومًا يخفِق فيه قلبي فيما قلبك المنير ساكن وجسدك تحت التراب.
سيدي، الموت حق وقضاء الله نافذ وقدره لا رادّ له ولكن كم كنت أرجو أن لا أفتح عيني فجر يوم تكون فيه عيناك مغمضتين وجسدك بلا حراك.
سيدي، تمنيتُ كثيرًا أن تكون أنت من يحثو التراب على جسدي ويقرأ على روحي فاتحة الكتاب
سيدي، ما بين اللقاءين مشوار عمر طويل ومسيرة بدأت ببسمة وانتهت بدمعة، قلتُ "انتهت" وقصدي الجسد، أما مسيرة المعاني والتعاليم فمسيرة طويلة أمشي فيها حتى الرمق الأخير.
.سيدي، لو كنتُ شاعرًا لقلتُ فيك ءالاف الأبيات ولكن حسبي اليوم كلمات ودموع وزفراتسيدي، أذكر لقائي الأول بك حين ظهرتَ بقامتك الممشوقة مُرحّبا باسمًا وسأذكر ما حييتُ إن شاء الله لقائي الأخير أمس حين قبلتُ يدك وجبينك فيما قامتك ممدودة على فراش الموت
.سيدي، أنت رجل عظيم رَبَّيْتَ رجالا سيواصلون دربك ومسيرتك كما لو كنت حيًّا بينهم.سيدي، سبحان الله الذي شاء أن يكون قبرك ومقامك مجاورًا للعارف بالله سيدي السنوسي وسيدي بومدين الغوث
سيدي، الشيخ عبد الحفيظ البودخيلي البوتشيش
رحمنا الله بك فرحمة الله عليك.
انعم واهنأ في برزخك والنعيم الموعود.
طبتَ حيًّا وطبتَ ميتًا.
بالأمس كان وَداعُ الجسد ولكنه وداع قصير فأنتم السابقون ونحن اللاحقون.سيدي، أيها العارف بالله الولي الصالح والعالم الربَّاني.
بقلم تلميده المجاز مقدم الطريقة القادرية البوتشيشية الصوفية عبدالعزيز بن علال الحسني الإدريسي