جَبَا :
جبا كانت تسمى الحرش الجواني لكثرة الأشجار الحراجية التي حولها ولامتداد رقعتها .
ويقول خير الدين الأسدي : الجَبا يقولون أخذها لغرض جبا يريدون : مجانا دون مقابل . ومن التركية : جبا وجابه مجانا دون عوض ( الموسوعة العلمية الحلبية المقارنة خير الدين الأسدي ج 3 ص 28 )
وكانت جبا تشهد إلى فترة قريبة آثار لعمران قديم ويذكر الكثير من أهل البلدة أنه إلى الشرق والشمال من جامع الشيخ سعد الدين الجباوي رضي الله عنه كانت آثار لبناء قديم مشيد بأحجار كبيرة . وفي وسط البلدة الخربة وحول ينبوعها ( البئر الذي يتوسط الجامع الآن ) أسس الشيخ سعد الدين رباطه وجامعه ثم زرع أرضها بما يلزم من مؤونة تكفي للزوار والعابرين والمقيمين في رباطه من عساكر المجاهدين ثم توفي الشيخ سعد الدين رضي الله عنه ودفن في خلوته ودفن إلى جانب زوجته ثم ولداهها الشيخ شمس الدين محمد وابراهيم أبو الوفا , والشيخ علي الأكحل دفن خارج خلوة والده ودفن باقي أولاده وذريته داخل الرباط وخارجه وتحول الرباط فيما بعد إلى زاوية وجامع يؤمه أهل البلد والزوار من كل ناحية . وقد جدد هذا المكان الملك الظاهر بيبرس ثم تتابع الملوك والخلفاء والامراء التجديد والانشاء والزيادة في وقف الاراضي لمصالح رباط الشيخ . وممن جدده والي دمشق لالا مصطفى باشا وأنشأ تكية للفقراء السعدية في القنيطرة عندما تولى دمشق ( سنة 971 هجرية – 1563 م ) وآخر تجديد بقي أثره إلى الآن كان في خلافة السلطان محمود الثاني العثماني حيث قام بتجديد الشيخ خليل بن الشيخ سعد الدين بن الشيخ مصطفى سعد الدين من مشايخ الطريقة السعدية في دمشق الشام وذلك سنة 1246 هجرية – 1830 م فقد جدد الجامع ( القبة الشمالية والعقدين ) والمئذنة والمقام والاروقة ورقم على لوحة رخامية في الاروقة الخارجية أبيات تشير الى ذلك وهي :
جامع سعد الدين نور مبين مــن لاذبه نــــــجا بيقين
جدده بالله المســــــــــتعين خليل من نسل سعد الدين
1246 هجرية
وقد أزيلت من مكانها
ويتألف هذا البناء من قبتين جنوبية وشمالية , القبة الجنوبية تقوم فوق مقام الشيخ وتأخذ شكل نصف كروي وترتكز على قبة مثمنة وفيها نوافذ مقوسنة , أما القبة الشمالية فانها تتوسط الجامع والزاوية القديمة وهي بصلية الشكل وترتكز على رقبة مثمنة وفيها أربع نوافذ والقبتان مكسوتان بصفائح من الرصاص المضلع بستة عشر ضلعا طوليا ويصل صفيح الرصاص الى منتصف الجدار داخل صحن الجامع وقد ازيلت عند التجديد سنة 1935 م ويفصل القبتين من الداخل جدار عريض يتوسطه محراب ونافذتان عن يمين وعن شمال تطلان على المقام وقد ازيل هذ الجدار وفقد هذا المكان تناسقة الفني ورونقة المعماري .
وفي الجهة الشمالية من صحن الجامع أربع أروقة قليلة الارتفاع ويعلو كل منها قبة صغيرة نصف كروية مكسوة بصفائح الرصاص والى الشمال منها قبة صغيرة ومتواضعة قليلة الارتفاع ومفتوحة من وسطها العلوي يرقد فيها الشيخ علي الاكحل بن الشيخ سعد الدين وتطل هذه القبة على صحن الجامع بنافذة حجرية بازليتية من قطعة واحدة بقياس 80x 70 سم وعليها نقوش بشكل أغصان شجرة العنب المثمرة وفيها فتحات دائرية لدخول الضوء وهذه القبة من ملحقات الأروقة التي جددها الشيخ خليل المذكور.
وفي الزاوية الشرقية الشمالية تقوم المئذنة القديمة وهي مربعة الشكل ومشيدة من الحجر البازلتي المصقول وارتفاعها عادي وتحاط من الأعلى بشرفة ذات بروز حولها وسقيفة من الخشب والصفيح ويتوسطها رقبة مثمنة ومشيدة بالحجر المتناوب حتى نهايتها ثم تنتهي بتاج كروي الشكل يستند على رقبة مخروطية نسبيا ويعلوها الهلال والى الغرب من قاعدة المئذنة مدخل الجامع القديم المبني بالحجر المتناوب ويعلوه قوس عادي بأعلاه بعض زخارف نباتية على بلاطات صغيرة ويعلوها لوحة رخامية عليها طغراء السلطان عبد المجيد العثماني
أما الجامع القديم فقد جدد في خلافة السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1314 هجرية – 1896 م ( بموجب البلاغ الصادر عن الارادة السنية الى ولاية سورية في 12 محرم سنة 1314 هجري تحت رقم 10 )
ويعلو ساكف مدخله لوحة رخامية نقش عليها أبيات تشير إلى ذلك ويتوسطها طغراء السلطان عبد الحميد اللثاني وهذه اللوحة بخط الخطاط الشهير يوسف بن محمد أمين الشهير رسا كاتب الطغراء الحميدية في دار الخلافة العثمانية
أما ضريح الشيخ فهو في القبة الجنوبية الخاصة به وقد شيدت كما ذكر سنة 1246 هجرية وفيها مقصورة تضم ضريح الشيخ سعد الدين وهي من الحديد المشكبك كثير الاشكال وجميل الصنع ويعلو المقصورة من الجوانب الاربع صفائح النحاس بمقياس0 3x 100 سم المنقوشة بطريقة الضغط وقد رقم عليها أبيات بخط الخطاط التركي الشهير رسا تشير الى صاحب المقام وواحدة منها نقش عليها اربعة مقاطع تاريخ ولادته – وفاته – مدة عمره – تاريخ التجديد ( 1319 هجرية ) ويكسو مقام الشيخ ثوب من حرير أخضر ومبطن بقماش أبيض كتب عليه من الأعلى ( بسم الله الرحمن الرحيم ) من الطرف الثاني (ألا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون)
ومن جهة الغرب كتب فاعلم أنه ( لا إله إلا الله – محمد رسول الله – الصلاة والسلام عليك ياسيدي يارسول الله – ورضي الله تبارك وتعلى عنك يا ولي الله – ولادته في مكة سنة 460 – انتقاله 29 ذي الحجة 575 هجرية – مدة عمره 115 سنة – جدد سنة 1319 وقد نقش حول المقام أبيات كتبت بشكل مائل وتتلاقى من الطرف الثاني وهي: نلت سعد الدين سعدا مستبين من يد المختار خير المرسلين
أيها الشيخ المسمى في الملا سعد دين الله ذا التقوى الأمين
لك وافت من حبيب شربـــة عنوة تحيي قلوب العاشقين
ولقد وافتك من خير الورى شربة تشفي من الداء الدفين
جل من أعطاك هذا سـيدي ثم أبقـاه لنـــسل أكـــــــرمين
وقد صنعت هذه المقصورة والضريح في دمشق الشام أما الصفيح النحاسي والكسوة فقد تم صنعها في استنبول وعلى نفقة السلطان عبد الحميد الثاني وكان المشرف لى اعمال التجديد الشيخ ابراهيم السعدي شيخ الطريقة السعدية في زاوية القيمرية بدمشق وقد حمل الضريح والكسوة الجميلة والعمامة التي ما تزال على ضريحه الان على جمل وسار خلفه مشايخ الطريقة السعدية وخلفائهم والعلماء والأعيان وبعض رجال الدولة وجماعة من العسكر المرافقين إلى جبا الشام ووضعوه على المقام باسم السلطان عبد الحميد الثاني حسب المراسم المتبعة .
ويذكر المسنون من أهل البلدة أن الواجهة القبلية التي فيها المقام والمحراب والركائز الاربعة التي تحمل الاقواس كانت مكسوة بالواح القاشاني القديم الملون والمزهر ويعلوه لوحة كتابية من القرآن الكريم والى يمين المحراب ويساره بعض ابيات في مدح الشيخ سعد الدين وقد ازيلت هذه الالواح ولم يبق منها الا ست بلاطات فوق المحراب وقد كتب عليها لااله الا الله محمد رسول الله وقد شوهت أطرافها عند اقتلاع ما حولها واختفى كذلك مثيلها بقة الشيخ علي الاكحل والى الشرق من باحة الجامع اربع غرف معقودة بحجر بازلتي والى الشرق والشمال غرفة يعلوها غرفة لها سلم خشبي والى الشمال غرفة اخرى شيد تلك الغرفة الشيخ خلييل المذكور سابقا وهي مخصصة للزوار والتدريس وفي سنة 1935 م ازيلت الغرف الاربع الشرقية وشيد مكانها جامع كبير يؤمه اهل البلد وقد بني الجامع من اعشار وريع الاراضي من اوقاف الشيخ رضي الله عنه .
وفي سنة 1987 م أضيف اليه حرم واسع يكفي جميع أبناء البلدة وزوار الشيخ الجباوي الوافدين .
الطيحة ( طيحة الشيخ سعد الدين ) :
موضع الى الجنوب الشرقي من جبا 9 كم الذي تطوح اليه الشيخ سعد الدين ويقال ( ان هذا المكان هو أول موضع للشيخ سعد الدين رضي الله عنه في هذه المنطقة بعد أن لقنه والده الذكر وألبسه الخرقة وأمره بالتوجه إلى الشام وعندما وصل المكان صار يبحث له عن مكان مناسب يؤسس فيه رباطه ومسجده الى أن وصل جبا فنزل الشمال منها على نحو 1 كم في موضع سمى فيما بعد دوسة الشيخ سعد الدين والدوس : شدة وطء الشيء بالاقدام.
القرى التابعة والمحيطة بجبا : ( وهي وقف الشيخ سعد الدين رضي الله عنه ) :
تثبت الوثائق القديمة والوقفيات المملوكية والعثمانية ، جبا وما يحيط بها من قرى كثيرة وأراض شاسعة في الجولان وكانت وقفا للشيخ سعد الدين وابناء طريقته يصرف ريعها لمصالح رباط الشيخ سعد الدين في جبا والجهات الخاصة من زوايا تابعة للشيخ في بلاد الشام وقد قيد وضبط هذا الوقف الذي لايعد كثرة في عدة وقفيات ووثائق عليها مشاهدات وأختام الحكام وقضاة المذاهب والعلماء الأعلام ولكل وقفية متول وناظر شرعي يتم تعيينه من قبل السلطان بموجب براءة سلطانية صادرة عن دار الخلافة العثمانية في استنبول .
وكانت التولية والنظارة الشرعية على وقف الشيخ سعد الدين يتقاسمها مشايخ الطريقة السعدية في حي الميدان وهم من ذرية الشيخ سعد الدين ومشايخ الطريقة السعدية في حي الشاغور وهم كذلك من ذرية الشيخ سعد الدين ويتم تعيين مشرف ومساعد لكل منهما من اهالي جبا يقومون على مصالح الجامع والمقام والتكية بما يلزم من طعام وشراب وضيافة للزوار والواردين على جبا .
وقد تغلب الزمان على هذا الوقف الكثير وتداوله الناس وعند صدور المرسوم التشريعي رقم ( 76 ) تاريخ 16- 5- 1949 م في عهد حسني الزعيم والقاضي بحل الوقف الذري عندها انتهى وقف بني سعد الدين ووزع فيما بين من كان يتداولونه ثم استحدث قانون الاصلاح الزراعي وقضى بتوزيع الاراضي الزراعية على من يسكنها ويستصلحها .
القرى التابعة لوقف الشيخ سعد الدين :
- أم باطنة – مسحرة- ممتنة – طيحة الشيخ سعد الدين – أيوبا – الكوم – الصمدانية- اللطيم – أم البريج- المليحة – السالمية – قرية المال – والسلسال – عقربا – جمحا – كفر شمس – كفر ناسج – مزرعة – الممتنة – الكفيرا – عيون مزطفس .رن – ام العوسح – دير العدس – القنية – تل حمد - بالاضافة الى بعض الوقفيات في دمشق وفلسطين
الموضوع اعلاه نقلا عن كتابالطريقة السعدية للشيخ العلامة النسابة محمد غازي اغا المكناسي الحسيني
مسجد الشيخ سعد الدين الجباوي في قرية جبا
لكلام للسيد "عبد الله مرعي" رئيس دائرة آثار "القنيطرة" في حديث لموقع eQunaytra (يوم الجمعة 13/2/2009) والذي أضاف: «يقع المسجد الأثري في الجهة الجنوبية من البلدة القديمة لبلدة "جبا"، الواقعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة "القنيطرة".
وهو عبارة عن جامع قديم، مبني من الحجر البازلتي الأسود القاسي، على شكل قبب وقناطر، تبدو واضحة عليه فنون العمارة الإسلامية، التي سادت تلك الأيام. يتكون المسجد من عدة غرف مستطيلة الشكل، بالإضافة إلى مصلى ومحراب، كما يحيط بالمسجد سور كبير يرتفع إلى أكثر من أربعة أمتار. تبلغ مساحة المسجد نحو 800 متر مربع تقريباً.
يتميز المسجد بقبابه التي ترتفع فوق السقف، وتبدو واضحة وجلية للعيان، وهي من إحدى ميزات وسمات العمارة العربية الإسلامية، التي يتميز بها المسجد، والتي تميزت بها بيوت العبادة،
مسجد سعد الدين الجباوي
إذ يعود بناء المسجد إلى العصر العثماني المتقدم، وهو ما زال محافظاً على سلامة عمارته، وقد تم إقامة مسجد جديد إلى جوار المسجد الأثري.
إضافة إلى القباب الأربع التي تتوضع في الجهة الشمالية للمسجد، يوجد قبة خامسة في الجهة الغربية من الجامع، تحاذيها قبة الضريح الكبيرة في الجهة الجنوبية الشرقية من المسجد، التي بنيت فوق ضريح الشيخ "سعد الدين".
كما يتميز المسجد الأثري بالمئذنة الأثرية التي ترتفع أكثر من عشرة أمتار، مبنية من الحجر البازلتي، تقع في الجهة الشمالية عند مدخل البوابة الشمالية للمسجد. وكان يتم تدريس التلاميذ فيه في العهود الماضية، على يد الخطيب وأمام المسجد.
يعتبر مسجد "الجباوي" من أهم الأماكن الأثرية القديمة، الذي يتميز بعمارة حجارته الجميلة التي تنم عن فن في العمارة والبناء، وهذا ما
المسجد الاثري
يتجلى في بناء القباب التي تسمح لأشعة الشمس بالدخول إلى الغرف، وتعطي الحرارة والدفء للمسجد في فصل الشتاء، كما تسمح بالحفاظ على حرارة المكان في فصل الشتاء وذلك تبعاً للكيفية التي تم بناء المسجد عليها.
يؤم المسجد الكثير من الناس من مختلف المناطق السورية، من اجل التبرك والاطلاع على هذا الأثر الحضاري الهام، على ارض جولاننا الغالي».
السيد "محمد اليوسف" رئيس بلدية بلدة "جبا" قال: «نظراً لأهمية المكان الأثرية والدينية، فقد اتخذت البلدة اسمها نسبة إلى صاحب الضريح الصالح، ونحن في البلدية نقوم بالعمل والتنسيق مع دائرة الآثار في المحافظة، من اجل المساهمة في أعمال صيانة وترميم المسجد الأثري، إضافة إلى ايلائه كل العناية والرعاية التي تطلب منا.
ولأن المكان بعيد عن الجانب الديني فهو ارث حضاري واثري ينبغي علينا جميعا الحفاظ عليه. وتشهد البلدة زيارات كثيرة من محافظات ومناطق القطر، من اجل الاطلاع على هذا الصرح الأثري، والتبرك بالضريح والدعوات.
تعود أهمية المسجد إلى المكانة الدينية التي يحظى بها الشيخ "سعد الدين" الذي عرف عنه الكثير من الحوادث والحكايا التي تروي شفاء المرضى والمصابين بالجنون على وجه التحديد».