فى أوئل القرن السابع الهجرى أنجبت مصر إماما عظيم الشأن جليل القدر ، ولم يكن هذا الإمام سوى البوصيرى امام عصره فى التصوف والأدب . نشأ نزيه النفس عالى الهمة، بعيدا عن الدنيا لايقنع بالكفاف من العلم يرضى بالكفاف من الرزق - قضى زمن طفولته كما يقضيه أترابه فى تعلم القراءة والكتابه وحفظ القرآن وغير ذلك ، ولكنه ترعرع فى ممارسة الأدب والكتابة فبرز فىالشعر والنثر تبريزا جعله فريدافى عصره .
وقد يخيل الى القارئ أن البوصيرى لم يكن شاعرا إلا فى قصيدتيه البردة والهمزية بما بلغتاه من سمو ، والواقع أنه نشأ كما ينشأ كل شاعر ، وسلك فى أول عهده مسالك الشعراء وهام معهم فى كل واد من المدح والذه والهجر وسكوى الحال . فهويتسخط على سفالة اخلاق المستخدمين فى قصيدة فيقول
نقدت طوائف المستخدمينا -----------------------فلـــم أر فيهم رجـــــــلاأمينــــــا
ومنها : فكم سرقوا الغلال وما عرفنا -------------بهم فكأنما سرقوا العيونــــــــــــــا
ولولا ذاك ما لبسوا حريرا ---------------------- ولا شربوا خمور الا ندر بنــــــا
ويشكو حاله للوزير فيقول :
اليك أشكو حالنا إتا ----------------------------- حاشاك من قوم أو لى عسرة
ومنها : وأقبل العيد وما عندهم -----------------قمح ولا خبز ولا فضرة
ومنها : وحق من حالته هــــذه ----------------أنينظر المولى له أمره
ولقد أراد الله به خيرا فاتصل فى أخريات أيامه بامام الواصلين أبى العباس المرسى ، فصفت نفسه ، وصلح أمره وخلص لعبادة ربه وأخذ فى نظم قصيدة البردة فى مدح الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم فحمل شعراء عصره على الأكثار من مدحه صلوات الله وسلامه عليه ، واتخذها اصحاب البديعات مثالا يحتذونه كما نظم أيضا الهمزية فلم تقل عن البردة فى فصاحتها وقد نظم قصيدة ثالثة على وزن بانت سعاد مطلعها
غلى متى أنت باللذات مشغول __________________وأنت عن كل ما قدمت مسئول
( من مجلة الرابطة الإسلامية عام 1946 العدد33)