وممن رد على محمد بن عبد الوهاب أحد أشياخه وهو الشيخ محمد بن سليمان الكردي صاحب حواشي مختصر با فضل ، ومن جملة ما قاله في الرسالة التي رد بها عليه : يا بن عبد الوهاب سلام على من اتبع الهدى فإني انصحك لله تعالى أن تكف لسانك على المسلمين، فإن سمعت من شخص يعتقد تأثير ذلك المستغاث به من دون الله تعالى فعرفه الصواب وأبن له الأدلة على أنه لا تأثير لغير الله ، فإن أبى فكفره حينئذ بخصوصه ولا سبيل لك إلى تكفير السواد الأعظم من المسلمين وأنت شاذ عن السواد الأعظم ، فنسبة الكفر إلى من شذ عن السواد الأعظم أقرب لأنه اتبع غير سبيل المؤمنين. قال تعالى ( ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية. انتهى
ورأيت في كتاب ( جمع الأسرار في منع الأشرار عن الطعن في الصوفية الأخيار ) لسيدي العارف بالله الشيخ عبد الغني النابلسي رضي الله عنه ما نصه :
وسئل العلامة الشهاب الرملي الشافعي رحمه الله تعالى عما يقع من العامة من قولهم عند الشدائد يا شيخ فلان ونحو ذلك فأجاب بأن الاستغاثة بالأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام والأولياء والعلماء والصالحين جائزة. قال الشيخ عبد الغني يقول مصنف هذه الرسالة يشير إليه يعني جواز التوسل والاستغاثة قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة )
قال الشيخ الرملي وللرسل والأنبياء والأولياء إغاثة بعد موتهم ، لأن معجزة الأنبياء وكرامة الأولياء لا تنقطع بعد موتهم. أما الأنبياء فإنهم أحياء في قبورهم يصلون ويحجون كما وردت به الأخبار ، فتكون الإغاثة منهم معجزة لهم ، والشهداء أيضا أحياء شوهدوا شهارا جهارا يقاتلون الكفار. وأما الأولياء فهي كرامة لهم انتهى كلام الرملي
وقد ذكر الشيخ عبد الغني بعدها فتوى من العلامة الإمام الشيخ عبد الحي الشرنبلالي الحنفي من جملتها قوله رحمه الله تعالى : وأما التوسل بالأنبياء والأولياء فجائز، إذ لا يشك في مسلم أنه يعتقد في سيدي أحمد أو غيره من الأولياء أن له إيجاد شيء من قضاء مصلحة أو غيرها إلا بإرادة الله تعالى وقدرته ، والمسلم متى أمكن حمل كلامه على معنى صحيح سالم من التكفير وجب المصير إليه انتهى كلام الشرنبلالي ، ثم نقل الشيخ عبد الغني رضي الله عنه فتوى الشيخ سليمان الشبرخيتي المالكي بذلك واتبعها بفتوى الشمس الشوبري الشافعي التي قدمتها في أواخر الباب الأول من هذا الكتاب ، وقال بعدها : وهذه صورة ما أجاب به الإمام الهمام الشيخ محمد الخليلي الشافعي ، وذكر فتواه بطولها إلى أن قال الخليلي رحمه الله : واعلم أن الاعتراض على القوم - يعني الصوفية – مما يوجب الخذلان فيوقع فاعله في واد من الخسران كما نص على ذلك العلامة ابن حجر من أئمتنا ، فمن اعترض عليهم يخشى عليه سوء الخاتمة كما وقع لكثير من الناس أنهم مقتوا بذلك ولم يفلحوا ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا ) قال الشيخ الخليلي وأما قوله يعني المعترض أنه لا يجوز التوسل بالأنبياء والأولياء ، فهذا كذب وافتراء. وقد نص أئمتنا على أنه يجوز التوسل بأهل الخير والصلاح ، ولا يظن عامي من العوام فضلا عن الخواص أن نحو سيدي أحمد البدوي يحدث شيئا في الكون ، وإنما يرون أن رتبتهم تقصر عن السؤال من الله تعالى ، فيتوسلون بمن ذكر تبركا بهم كما لا يخفى.
قال رحمه الله : إذا علمت ذلك علمت أن التوسل بالأنبياء والأولياء جائز وارد عن السلف والخلف سواء كا نوا أحياء أم أمواتا ، ولا ينكر ذلك إلا من ابتلي بالحرمان أو سوء العقيدة ، نعوذ بالله منه ومن سيرته فجميع ما قاله مردود عليه ووجب ألا يعول عليه. وقال العارف النابلسي قبل ذلك في كتابه المذكور نقلا عن فتوى الشيخ الإمام العلامة أبي العز أحمد بن العجمي الشافعي الوفائي الأزهري : وقول يا سيدي أحمد أو يا شيخ فلان ليس من الإشراك لأن القصد التوسل والإستغاثة . قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ) انتهى