وأورده ابن القيم في بدائع الفوائد ج4 ص48 هكذا:
ولا تنكروا أنه قاعد *** ولا تنكروا أنه يقعده
والكل كذب فقاتل الله الكذب والكذابين ومن يدافع عنهم .
والمتهم بوضع هذا البيت هو ابن كادش الكذاب أو شيخه العشاري المغفل ، وقد كان أحد مجانينهم ، يقول : لو أن حالفاً حلف بالطلاق ثلاثاً أن الله يُقعِدُ محمدا صلى الله عليه وسلم على العرش[2] واستفتاني لقلت له : صدقت وبررت ، كذا قال هذا اللعين أخزاه الله وعامله بما يستحق .
وذهبت طائفة منهم إلى نفي ذلك مع القول بالعلو الحسي ـ تعالى الله عن ذلك ـ وممن ذهب إلى ذلك ناصر الألباني المتناقض حيث قال في مختصر علوه السافل بعد كلام : … فإنه يتضمن نسبة القعود إلى الله عز وجل وهذا يستلزم نسبة الاستقرار عليه تعالى وهذا مما لم يرد فلا يجوز اعتقاده ونسبته إلى الله عز وجل . اهـ
يقول العلامة القنوبي :
بل ولم يثبت شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العلو الحسي وما استدلوا به على ذلك موضوع وباطل مخترع مصنوع وما صح من ذلك فلا دليل فيه على ذلك البتة .
ويقول : وكما أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء في ذلك ، كذلك لم يثبت شيء عن صحابته رضي الله عنهم ، وما روي عنهم فكذب صريح عليهم .
ونحن نتحدى هؤلاء الحشوية أن يأتوا لنا برواية صحيحة فيها التصريح بالاستقرار أو الاستواء الحسي وليستظهروا على ذلك بمن شاءوا ولو بالثقلين جميعا ، كما أننا نتحدى أرباب هذه النحلة للمناظرة في هذه المسألة أو غيرها من المسائل العقدية .
هذا وكما أنهم كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم في هذه المسألة وغيرها كذلك كذبوا على الأئمة حيث نسبوا إليهم القول بالاستواء الحسي وهم كاذبون ، وقد ذكرنا طرفا من كذبهم على الأئمة الأربعة في مقال سابق.
التقية عند الوهابية[3]
أدعياء السلفية المجسمة[4] ، يتصورون معبودهم جسماً له عينين ويدين ورجلين وما سواه وأنه يفنى ما خلا وجهه[5]، ومع كل هذا يدعون أنهم ليسوا مجسمة وذلك لأنهم تصورا بأنهم قد حلوا الإشكال بإضافتهم عبارة (كما يليق بجلاله ) بعد كل تجسيم[6] !ولكن أي جلال ذاك الذي أبقوه بعد أن جعلوا له أعضاء مادية ، وجعلوه محدوداً بزمان ومكان وحركة وأنه يفنى ما عدا وجهه .
إنهم بنوا عقيدتهم على أساس هش ومغالطة تسمى في علم المنطق (قبول المقدمات ورفض النتيجة) وتسمى في علم الكلام (عدم الالتزام بلوازم المذهب) وفي لغة العصر (تبني التشبيه والتجسيم بدون اسمه) إنهم يستعملون مبدأ التقية في التصريح بصفات معبودهم ، ويشنعون على الشيعة استعمالهم التقية في بعض أمورهم !
إن الباحث في توحيد الوهابيين يرى نفسه بين أمرين : إما أن يحكم على علمائهم بعدم الفهم ، أو يحكم عليهم بأنهم يستعملون التقية في الإفصاح عن معبودهم ، ولكنه يستبعد الحكم على علمائهم بعدم الفهم لأنه يرى أن ابن عبد الوهاب رحمه الله وبعض تلاميذه الماضين وبعض تلاميذه المعاصرين مثل ابن باز والألباني رحمهما الله ، وأسلافهم كالذهبي وابن تيمية ومجسمة الحنابلة رحمهم الله ، يعرفون معنى الحمل على الظاهر وما يستلزمه من تجسيم ، ولكنهم يدافعون عن أنفسهم أمام المسلمين بنفي اللوازم ، بينما يظهر التجسيم في كلماتهم وما يسرُّونه للخاصة من أتباعهم ! مما يكتم تفسيره على حد قول ابن تيمية رحمه الله ! أو بالقول أن ما ورد في القرآن والسنة هو نفي الند والمثل والكفء أما الشبيه فلم يرد فيه نفي فلا مانع من القول به لا عقلاً ولا شرعاً[7] !!
ويقول الذهبي رحمه الله إن ذلك من (العلم المباح (الذي) لا يجب بثه ، ولا ينبغي أن يدخل فيه إلا خواص العلماء)[8] وهذا شبيه بالعلم الذي يحصره اليهود والنصارى برؤساء الاكليروس أي كبار الكرادلة والحاخامات !! ، ويقول في سيره 20/331 (ومسألة النـزول فالإيمان به واجب وترك الخوض في لوازمه أولى) اهـ. وكلمة (وتركه أولى) تعبير فقهي معناه أن التعبير به جائز ولكن الأحسن تركه ، فهو ملتفت إلى أن لوازم مذهبه التجسيم وملتزم بها ، ولكنه يفضل عدم الكلام فيها حتى لا يكون ممسكاً عليهم عند المنـزهين !
وأما عوامهم فهم عوام أقحاح لا يعرفون إلا مدح مذهبهم بأنه مذهب التوحيد ومذهب السلف ، ولا يعرفون معنى التأويل والتفويض والمجاز.
وأما طلبتهم وأكثر خريجيهم فيتصورون أن حمل آيات الصفات على الظاهر الحسي هو مذهب جمهور الأمة وسلفها الصالح ، لكثرة ما لقنوهم ذلك في كتبهم الدراسية ووسائل إعلامهم ، ولا يكاد أحدهم يعرف معنى الحمل على الظاهر ولوازمه !
تقول لأحدهم : إن قول علمائك بأن الله تعالى جالس على عرشه ، وأنه ينـزل إلى الأرض كما نزل ابن تيمية عن درج المنبر في الشام ، يلزم منه تحديد الله تعالى بالمكان والزمان وصفات المكين والزمين ! فيجيبك : كلا ، لا يلزم من ذلك التشبيه والتجسيم ! لأنه يجلس كما يليق بجلاله ، وينـزل كما يليق بجلاله ...!! ويتصور هذا المسكين أنه إذا لقلق لسانه بقوله (كما يليق بجلاله) فقد حل المشكلة العلمية ، ودحا باب خيبر !! فمثله كمثل الذي يأكل ويشرب في وضح النهار ثم يصر على أنه صائم لم يذق شيئاً ! لأنه صام كما يليق بصيامه ، وأكل كما يليق بجنابه ! مع أنه لم يبقِ شيئاً حسناً يليق بجنابه.
ويدل النص التالي للسبكي أن التقية معروفة عند أسلاف الوهابيين ، وأن بعض العلماء قد بيَّن سببها ، قال في طبقات الشافعية 8/ 222 : ( قال الشيخ ابن عبدالسلام : والحشوية والمشبهة الذين يشبهون الله بخلقه ضربان: أحدهما لا يتحاشى من إظهار الحشو (ويحسبون أنهم على شيء) والآخر يتستر بمذهب السلف لسحت أكله أو حطام يأخذه)
أقول: التقية عند مشائخ الحشوية يدركها من يقرأ كتب ابن القيم وأستاذه ابن تيمية رحمهما الله فهما يغلفان مرادهما تغليفاً بألفاظ منمقة وعبارات مسهبة ومقدمات طويلة لا تدرك مغزاها إلا بعد طول تأمل ، وخصوصاً في مسائل التجسيم كأنهما يريدان أن يقولا شيئاً يخجلان به ، وهو سبيلهم لبقاء كتبهم التي لو علم الناس ما فيها من باطل لأحرقوها ، وما فعلوا ذلك إلا بعد أن خبروا الناس ورأوا ردود أفعالهم ، وهذا مذهبهم الباطل لم يلق أرضاً خصبة إلا في بلاد مسيلمة الكذاب ، إن في ذلك لعبرة.
من كذب الحشوية
سنفرد هذا المقال للحديث عن كتاب افتراه الحشوية على عبدالله بن أحمد بن حنبل رضي الله عنه ، وسمَّوه كتاب السنة لابن الإمام أحمد ونجزم بعدم ثبوته عنه لأن في الإسناد إليه راوياً مجهولا وفيه من العظائم كثير نذكر منها التالي:
( أ ) . قال ص5 : ( فهل يكون الاستواء إلا بالجلوس ) .
(ب) . قال ص70 : ( إذا جلس الرب على الكرسي سمُع له أطيط كأطيط الرَّحل الجديد ) .
(ج) . قال ص71 : ( إنه ليقعد على الكرسي فما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع ) .
(د) . قال ص67 : ( كتب الله التوراة لموسى بيده ، وهو مسند ظهره إلى الصخرة في الألواح من در ، يسمع صرير القلم ، ليس بينه وبينه إلا الحجاب ) .
(هـ) . قال ص68 : ( إن الله لم يمس بيده إلا آدم ، خلقه بيده ، والجنة ، والتوراة كتبها بيده ، ودملج الله لؤلؤة بيده فغرس فيها قضيباً فقال : امتدي حتى أرضي وأخرجي ما فيك بإذني ، فأخرجت الأنهار والثمار ) .
(و) . قال ص35 : ( رآه على كرسي من ذهب ، يحمله أربعة : ملك في صورة رجل ، وملك في صورة أسد ، وملك في صورة ثور وملك في صورة نسر ، في روضة خضراء دونه فراش من ذهب) .
(ز) . قال ص149 : ( أبدى عن بعضه ) .
(ح) . قال ص164 : ( ويده الأخرى خلو ليس فيها شيء ) .
(ط) . قال ص 165 : ( يمس بعضه ) .
(ي). قال ص167 : ( حتى يضع بعضه على بعض .. وحتى يأخذ بقدمه ) .
(ك) . قال ص149 : ( وأوحى إلى الجبال أني نازل على جبل منك ، فتطاولت الجبال ، وتواضع طور سيناء وقال : إن قُدر لي شيءٌ فسيأتيني ، فأوحى الله أني نازل عليك لتواضعك ، ورضاك بقدري ) .
(ل) . قال ص77 : ( ينـزل الله في ظل من الغمام ، من العرش إلى الكرسي … فيتمثل الرَّب فيأتيهم ... والرَّب أمامهم حتى يمر ) .
(م) . قال ص156 : ( فأصبح ربك يطوف في الأرض ) .
(ن) . قال ص182 : ( إن لجهنم سبع قناطر ، والصراط عليهن ، والله في الرابعة منهن ، فيمر الخلائق على الله عز وجل وهو في القنطرة الرابعة ) .
(س) . قال ص48 : ( ثم يأتيهم بعد ذلك يمشي ) .
فأنت ترى ما في كتاب سعيد الدارمي الذي ذكرناه في الموضوع السابق وما في هذا الكتاب المنسوب إلى عبد الله بن الإمام أحمد وفي غيرهما من كتب أرباب هذه النحلة الخاسرة المجسمة ككتب القاضي أبي يعلى وكتب الشيخ الحراني وأذياله كابن القيم وشارح الطحاوية رحمهم الله جميعا ... وغيرهم كثير من أمثال هذه المسائل التي نستغفر الله من كتابتها ، فضلاً من أن ندين الله بها ، والتي هي ببساطة ترديد لمعتقدات اليهود .