الوقوف بعرفة
فى اليوم التاسع من شهر ذى الحجة يقف حجاج بيت الله على عرفات بعد أن لبى كل منهم بالحج كل بحسب نيته فطافوا ببيت الله وصلوا خلف المقام إمتثالا لأمر الله تعالى حيث قال : ((وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)) ، وهديا بما
قاله الحبيب فقد روى الترمذى واحمد والحاكم وابن خزيمة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : (( من طاف بالبيت إسبوعا ـ أى سبعة أشواط ـ
وصلى ركعتين فله من الأجر كعتق رقبة ))
وبعد أن شربوا من ماء زمزم التى قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم : مما رواه ابن حبان والطبرانى عن أبى ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم فيه طعام الطعم وشفاء السقم ))
وقد دعوا حين شربوا مثلما دعا ابن عباس :
(( اللهم إنى أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاءا من كل داء ))
ثم بعد ذلك سعوا بين الصفا والمروة إمتثالا لقوله جل وعلا :
((إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ
أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ
خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيم)) البقرة 158
كل ذلك إقامة ذكر الله جل وعلا وهديا بما فعله وقال به الحبيب صلى الله عليه وسلم فقد روى أبو داود والترمذى عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة
ورمى الجمرات لإقامة ذكر الله عز وجل )) .
وكل ذلك أيضا دون انقطاع عن ترديد التلبية : (( لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك )) ، إمتثالا لما قال به الحبيب صلى الله عليه وسلم مما رواه احمد وابن ماجة فى السنن عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( ما من محرم يضحى لله يومه يلبى حتى تغيب
الشمس إلا غابت بذنوبه فعاد كما ولدته أمه ))
وفى يوم التروية ، اليوم الثامن من ذى الحجة توجهوا إلى منى ملبين حيث يصلون بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويظلوا بها حتى صلاة الفجر.
وإذا كنا قد طلعت علينا شمس اليوم التاسع من ذى الحجة وقد توجه حجاج بيت الله الحرام إلى مسجد نمرة لصلاة الظهر والعصر قصرا جمع تقديم بآذان واحد وإقامتين بدون نفل قبلهما أو بعدهما ثم اتجهوا إلى عرفات مداومين على التلبية ويظلوا بها إلى ما بعد غروب الشمس ثم يغادر عرفة بالإفاضة إلى مزدلفة فى سكينة ووقار مترفقين برفقائهم من الحجيج ملبين وداعين ، والمزدلفة هى المشعر الحرام الذى ذكره الله تعالى فى قوله :
(( فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ
الْمَشْعَر الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ )) البقرة 198
وعند الاستعداد للرحيل من مزدلفة يتجه الحجاج لرمى جمرة العقبة الكبرى فى صباح اليوم العاشر من ذى الحجة وعند ارتفاع الشمس يتوجه كل الحاج إلى منى داعيـا :
( اللهم إليك أفضت ومن عذابك أشفقت وإليك توجهت ومنك رهبت اللهم
تقبل نسكى وأعظم أجرى وارحم تضرعى واستجب دعائى وتقبل توبتى )
ثم يتوجه لرمى جمرة العقبة الكبرى بالحصيات السبع التى جمعها من مزدلفة ثم يبدأ برمى الواحدة تلو الأخرى بقوة قائلا :
( باسم الله الله اكبر رغما عن الشيطان وحزبه
اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا )
وبعد الرمى يقطع الحاج التلبية وله أن يتحلل من ملابس الإحرام ويباح له ما كان محرما عليه عدا النساء فإن هذا لا يحل للحاج إلا بعد طواف الإفاضة ثم يبدأ بحلق شعر رأسه أو تقصيره لقوله تعالى :
((لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ
إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ )) الفتح 27
أما النساء فلهن تقصير بعضا من أطراف شعرهن كما سبق القول .
وبعد ذلك يكون ذبح الهدى لقول الله تعالى فى سورة الحج /26 :
(( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا
اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا
وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون))
والهدى يكون واجبا فى حالتين أولاهما إذا كان الحاج متمتعا أو قارنا وثانيهما إذا ترك الحاج واجبا من واجبات الحج مثل الرمى أو الإحرام من الميقات أو الجمع بين الليل والنهار فى الوقوف بعرفة أو ترك طواف الوداع أو إذا ارتكب محظورا من محظورات الإحرام كالتطيب أو الحلق أو تقليم الأظافر .
واقل ما يجزئ عن المسلم ذبح شاة أو بدنة وهى الجمل أو سبع بقرة أي يشترك مع ستة آخرين فى ذبح بقرة فقد روى مسلم عن جابر رضى الله عنه قال : (( حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحرنا
البعير عن سبعة والبقرة عن سبعة ))
والمتمتع إذا كان ذبح هديه لمكة بعد العمرة فله أن يذبح يوم العيد أو فى أيام التشريق لقوله صلى الله عليه وسلم : (( كـل أيـام التشـريق ذبـح))
وبعد الانتهاء من رمى جمرة العقبة يوم النحر والتحلل الأول بالحلق يتوجه إلى مكة لطواف الإفاضة وليس فيه رمل وإنما يسير سيرا عاديا فى طوافـه ، وطواف الإفاضة وهو الركن الثالث وإذا لم يفعله الحاج بطل حجه لقوله تعالى
(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)) الحج29
وبعد طواف الإفاضة يصلى الحاج ركعتين خلف المقام ثم التوجه إلى الملتزم للدعاء ثم إلى بئر زمزم المباركة للارتواء ثم يستلم الحج ويقبله ثم إلى المسعى للسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط كما فعل فى العمرة إذ أن المتمتع لا يسعى للحج قبل الوقوف بعرفة فا لقارن والمفرد لا سعى لهما بعد طواف الإفاضة وبعد طواف الإفاضة العودة إلى منى فى نفس اليوم ويبيت بها الحاج ليلة الحادي عشر والثاني عشر من ذى الحجة ( ويجوز البقاء فى مكة حتى منتصف الليل ) ثم النوم فى منى حتى يرمى الجمرات فالمبيت بمنى واجب ويكون الرمى للجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم الثالثة ويبدأ بالأولى ويختم بالثالثة ويكون الرمى من الزوال إلى الغروب ولو تأخر عن الغروب لا يرمى ليلا وإنما يرمى بعد زوال اليوم الثانى ويجوز الرمى فى اليوم الثالث قبل الزوال .
ويكتفى بهذا القدر لمن كان متعجلا ، أما من يبقى لرابع أيام العيد فى منى ولمن يتعجل فيجمع 21 حصاة أخرى لرمى الجمرات الصغرى والوسطى والكبرى لكـل سبع حصيات وبذلك يكون مجموع ما يرمى70 حصاة وتكون بذلك أيام الرمى ثلاثة أو أربعة ( يوم النحر ويومان أو ثلاثة من أيام التشريق ) لقول الله تعالى :
((وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْن
فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ
اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُون)) البقرة 203
وبعد أداء تلك المناسك جميعها على نحو ما أوضحنا يبقى على الحاج أن يطوف بالكعبة سبعة أشواط طواف الوداع والذى يطلق عليه طواف الصدر لأنه يؤدى عند صدور الناس من مكة وهو طواف لا رمل فيه وهو آخر ما يفعله الحاج فقد روى مالك فى الموطأ عن عمر رضى الله عنه أنه قال :
(( لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت
فان آخر النسك الطواف بالبيت ))
وبعد الفراغ من الطواف يصلى الحاج ركعتين خلف المقام ويشرب من ماء زمزم ويدعو الله متضرعا فى الملتزم ثم يتلوا قول الله تعالى :
(( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ )) القصص 85
ويختتم الحاج دعائه بقوله : (( اللهم اغفر ما فات واعصم فيما هو آت وارزقنا تقواك اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ))
وبذلك يكون الحاج قد أتم حجته بحمد لله رب العالمين .
روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( الحجاج والعمار وفد الله عز وجل وزواره إن سألوه أعطاهم وإن استغفروه غفر لهم وإن دعوا أستجيب لهم وإن شفعوا شفعـوا ))
اللهم أعطنا بقدر سؤال حجاج بيتك الحرام هذا العام وكل عام