اللهم صل على سيدنا محمد و على آله وصحبه أما بعد،
يخال للمرء الواقف على شاطئ الولاية الباحث في أسرارها ، أنها ثمرة المجاهدة و المنازلة والتحقق بمقامات الصالحين.
لكن سرعان ما يجد أمام حقيقة كونية أن اصحاب هذا الشأن محصور بالعدد، مخصوص بالعناية و التوفيق ، في السابقة أزلا ، و في الحقيقة أن الله قسم بين العباد رزقهم الحسي فلا يمنع أحد أن يستوفي رزقه الذي به قوام حياته ، لكن الرزق المعنوي الروحي فهو أمر خاص ووجود استثنائي كما ثبث عند أهل الله : (أولياء الله عرائس الله في ملكه ، و لايرى العرائس المجرمون). تولد عن هذا الفهم أن الولي الحق من كان خاملا زاهدا مغمورا يستعصى معرفته ، ومن ثم يحار المرء أن لقيه أن يفهمه لغامض قوله.؟
فهل الغموض سمة القوم ؟.
وبالتالي هل كانت الفهوم النبوية التي حملوها في أسرارهم علوما غامضة .؟
أم الغموض يكتنفنا في التلقي لا في الري و الشرب؟.وفي كيفية التلقي و في وسائل الخطاب؟.
يرى بعض الباحثون أن التصوف عالم فسيح من الخيالات و الأوهام ، لا تفهم بالعقل لمجازها و كناياتها و تلونها الحربائي.
فكلمة التصوف مثلا تحيل عقل القارئ الى عدة مفاهيم :
1.الخرقة و القبلة في يد الشيخ المقدسة والخنوع الى أرادة الشيخ المطلقة.( ان تكون بين يدي شيخك كالميت بين يدي الغسال). والقول المشهور من لم يكن له خذ يداس فلن تكون له يد تباس).
فهل غاية كل ولي أن تكون له يد تباس؟.
2.الكشف و المشاهدة و خرق العادة و قد تكلمنا بتفصيل حول الأستدراج الشيطاني و الحجب الظلمانية لكن تركنا الفتح النوراني الى موضوع آخر.
وهم هو بل حقيقة أن الكشف لا يعد الا من طوارئ الروح في معرفتها لربها ، وشهود حق للكون و تفاصيله.
لكن يظل في نفس الوقت القاطع الرئيسي لجموع كثيرة للناس في معرفتها لربها. والعائق الأكبر في تلقي العلم اللدني من رب العالمين.
الكشف حجاب ، لكنه مرقاة أن كان في أطاره النسبي لا يزيد المريد حزنا ان أنقطع و لا يملأ القلب فرحا أن كان و اتصل وامتد.
3.مسالة التصرف الكوني المنسوب الى بعض أهل الله ، تضع الباحث في مازق : الولي أن لم يكن متصرفا في الخلق ظاهر الكرامات مجذوب ناقص الولاية.
والمجذوب القائل للحكم ، الجوال الآكل من دراهم القدرة ، ولي.
فتجد ميزان الجذب و الولاية مختل.
الأحرى أن التقيت بمجنون مسلوب العقل تنساب كلمات الحكمة من ملأ فمه : ولي مجذوب أم ماذا ؟.
4.ما تجده في كتب التصوف من وصف لثمراث المجاهدة من كشف و تصرف ، والحكايات المغرقة في الخيال عن كرامات الشيخ في المأكل و المشرب ، وأحيانا في مواجهة الظالمين من أهل السلطة ، تجعل المرء أمام لازمة ملازمة للعقل و كأنك في حساب مجمل : التصرف = الولاية، الكرامات = الولاية ، فان غاب أحد أطراف اللازمة سقطت الولاية من الأعتبار الشخصي ، واصبحت مجرد أدعاء.
5.ما يراه الناس في المواسم الصوفية من الرقص و السماع على أيقاع النشيد و المعازف أحيانا و كأن التصوف مواسم روحية وموسيقى عالمية تنشئ تلك الوحدة الثراثية العالمية المنشدة لأسس التسامح و الأنسان و الحرية و السمو الروحي ، فهل تستوى المعرفة المحمدية وحقيقتها الكاملة مع ترهات الهندوس و البوذية والزرادشتية؟ ، حال ما يقع في فاس في مهرجان الموسيقى الروحية او سمها أن شئت موسم التسامح و الفسق و اللهو بالأديان على موسيقي الجاز والرقص الجبلي.
نسأل الله العافية آمين.
تضع الناس في حيرة ، فالتصوف لا يعدو الا ابياتا في الحب الألهي ، و رقصا عند تزاحم الأنوار و تدفقها في قلب الذاكر ، وكلمات مولاي عبد الرحمان المجذوب المنسجمة مع عقل التبسيطي لدى عامة الناس.
أو المواسم في خضم العطل الصيفية حيث تمتزج الطاعة مع المعصية و الفسق مع النور و كأنك في نسيج مجتمعي منقطع النظير خذ لنفسك واترك ماتريد فلدينا في المواسم قصب العنب و المزيد؟.
سمه ان شئت تصوف مدني حداثي متنور يجد فيه كل امرئ بغيته....
...موسم مو لاي عبد السلام ابن مشيش مثلا وغيره.
6.يرى بعض الدارسين أن التصوف حركة شاذة في زمن غلبت فيه مباهج الدنيا .ومن ثم فهو حركة طارئة ودخيلة من حيث المنبع و الأصل .وعليه فأن هذه الحركة تظل حبيسة ظرفها التاريخي و الأجتماعي .فأن سقطت هذه الأعتبارات سقط بالتالي بالفعل.
ولذلك نجد هؤلاء الدارسين يفتخرون بهذا العلم العميق و يقارنونه بما عند كريشنا وداي لاما وبوذا و أصحاب الريكي و المعالجون بالطاقة الروحية، أو حكماء اليونان وما عندهم من الأسئلة الطفولية الوجودية الفارغة من المحتوى المغرقة في الأشكاليات المستعصية عن الحل.
فلا يترددون من التغني في السرب العالمي الماجن عن السر الوجودي ، وقيمة الأنسان ، وقيم الروح ، والنسيج المتنور ، في مؤتمرات يحضرها أصحاب النوايا الحسنة من اليهود والنصارى ، والمغررين بهم من عندنا تحت لا فتة عريضة : الرياضات الروحية و اثرها في الأستقرار النفسي عند الأنسان ، مؤتمرات تعج بالمشروبات الروحية ، و الرياحين التي خلقنا لنا كما يقول الشاعر ، فتخرج من المؤتمر و أنت تعج بالخواطر النسائية الخمرية الذوقية ، فاينما توجهت تذكرت أن لك رب واحد للجميع.
نسال الله أن يرحمنا آمين
7.اصبح التصوف في صورته المشوهة مجرد قعود و دروشة وثياب رثة و كدية في الشارع وحكم ومواعظ تترك لله ما لله وما في يد قيصر لقيصر.
وهذا أمر مفتعل يراد به التزوير في الحقائق التاريخية .
ذلك أن التصوف و اسلاس القياد لأولياء الله على نوعين:
أ.اسلاس في الأمر الخاص فقط وهذا أمر يخص السالك وحده يترك الدنيا أما طواعية و أختيار و أستعاده للرحيل في معارج القربى الى أن ياخذ الله روحه.
وهذا خلاص فردي محض مرغوب فيه، وهذا تسعى فيه حتى الأجهزة الحكومية في الوطن العربي حتى تسد باب الممانعة و القومة ومراقبة الدولة.
فيصير التصوف مجرد قبة أسطورية ، وشيخ متصرف في عالم الأموات ينظر الينا من نافذة القبور ينظر ما فعل أصحاب الدثور من النذور.!
وتجد برامج فلكلورية التسويق كمقامات صوفية ، موروثاث شعبية ، رحلة الى مزار سيدي أبو مدين المنور.....وهلم جرا. وكأنك في مزاد علني للقبورية لا يصير فيه التصوف الا قبر مقدس وأحفاد ملتفون.
وهذا هو الوهم بعينه ن وتلبيس أبليس الدولة المصونة.
ب.ما يخاف من التصوف هو البركة المتجددة في تربية أجيال مجاهدة : نموذج صلاح الدين اليوبي ، حسن البنا ، مولاي عبد القادر الجزائري ، عبد الله ياسين ، مرآة ابي المحاسن ، الأمام السرهندي وغيرهم كثير.
وهذا هو التصوف الذي يسلس فيه القياد لرجل جامع لفضيلتين : التربية و الجهاد وهو ما توارثه بعض أهل الله المجاهدين.
وهذا أمر وارد في الدراسات المشبوهة التي حولت بعض القادة الذين تربوا على يد أهل الله ، مجرد قائمين على السلطان أمثال قومات أهل البيت المميزة ، أو بعض الحركات الجهادية الصوفية أمثال المرابطين.
تجعل من ذكر الجهاد خامل الذكر في مناقب و تراجم أهل الله.
وخلاصة القول ، يجب وضع التصوف في أطاره النسبي كعلم ، لكن بعين ناقدة فاحصة تترك النقول المدلسة فيه ، وتبحث عن منهاج النبوة الذي ظل ساريا عبر الأجيال عبر التلقين الى يوم تجتمع فيه الفضائل في شخص الختم المكتوم.
وهو موضوعنا اللاحق.