قوله تعالى {وَإِن نَكَثوا أَيمانَهُم مِن بَعدِ عَهدِهِم وَطَعَنوا في دينِكُم فَقاتِلوا أَئَّمَةَ الكُفرِ} قال ابن عباس: نزلت في أبي سفيان بن حرب والحرث بن هشام وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل وسائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد وهم الذين هموا بإخراج الرسول.
قوله تعالى {ما كانَ لِلمُشرِكينَ أَن يَعمُروا مَساجِدَ اللهِ} قال المفسرون لما أسر العباس يوم بدر أقبل عليه المسلمون فعيروه بكفره وقطيعة الرحم وأغلظ علي له القول فقال العباس: ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا فقال له علي: ألكم محاسن قال: نعم إنا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحاج ونفك العاني فأنزل الله عز وجل رداً على العباس {ما كانَ لِلمُشرِكينَ أَن يَعمُروا}.
قوله تعالى: {أَجَعَلتُم سِقايَةِ الحاجِّ}. أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي رحمه الله قال: أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله المنادي قال: أخبرنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي قال: حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام عن أبي سلام قال: حدثنا معمر بن بشير قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أسقي الحاج وقال الآخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أعمر المسجد الحرام وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة ولكني إذا صليت دخلت فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اختلفتم فيه ففعل فأنزل الله تعالى {أَجَعَلتُم سِقايَةَ الحاجِّ وَعِمارَةِ المَسجِدِ الحَرامِ} إلى قوله تعالى {وَاللهُ لا يَهدي القَومَ الظالِمينَ}. رواه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني عن أبي توبة.
وقال ابن عباس في رواية الوالبي: قال العباس بن عبد المطلب حين أسر يوم بدر: لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاج ونفك العاني فأنزل الله تعالى {أَجَعَلتُم سِقايَةَ الحاجِّ وَعِمارَةَ المَسجِدِ الحَرامِ}.
وقال الحسن والشعبي والقرظي: نزلت الآية في علي والعباس وطلحة بن شيبة وذلك أنهم افتخروا فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه وإلي ثياب بيته وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها وقال علي ما أدري ما تقولان لقد صليت ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال ابن سيرين ومرة الهمذاني: قال علي للعباس: ألا تهاجر ألا تلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألست في أفضل من الهجرة ألست أسقي حاج بيت الله وأعمر المسجد الحرام فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى {يا أُيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا آَباءَكُم وَإِخوانَكُم}. قال الكلبي: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة جعل الرجل يقول لأبيه وأخيه وامرأته: إنا قد أمرنا بالهجرة فمنهم من يسرع إلى ذلك ويعجبه ومنهم من يتعلق به زوجته وعياله وولده فيقولون: نشدناك الله أن تدعنا إلى غير شيء فنضيع فيرق فيجلس معهم ويدع الهجرة فنزلت يعاتبهم {يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا آَباءَكُم وَإِخوانَكُم}.
ونزلت في الذين تخلفوا بمكة ولم يهاجروا قوله تعالى {قُل إِن كانَ آَباؤُكُم وَأَبناؤُكُم} إلى قوله {فَتَرَبَّصوا حَتّى يَأَتِيَ اللهُ بِأَمرِهِ} يعني القتال وفتح مكة.
قوله تعالى: {يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِن كَثيراً مِنَ الأَحبارِ وَالرُهبانِ لَيَأَكُلونَ أَموالَ الناسِ بِالباطِلِ} نزلت في العلماء والقراء من أهل الكتاب كانوا يأخذون الرشا من سفلتهم وهي المأكل التي كانوا يصيبونها من عوامهم.
قوله تعالى: {وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَهَبَ وَالفِضَّة وَلا يُنفِقونَها في سَبيلِ اللهِ. أخبرنا أبو إسحاق المقري قال: أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن نصير قال: حدثنا عمرو بن زرارة قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا حصين عن زيد بن وهب قال: مررت بالزبدة فإذا أنا بأبي ذر فقلت له: ما أنزلك هذا قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية {وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَهبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقونَها في سَبيلِ اللهِ} فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب فقلت: نزلت فينا وفيهم وكان بيني وبينه كلام في ذلك وكتب إلى عثمان يشكو مني وكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة فقدمتها وكثر الناس علي حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك فذكرت ذلك لعثمان فقال إن شئت تنحيت وكنت قريباً فذلك الذي أنزلني هذا المنزل ولو أمروا علي حبشياً لسمعت وأطعت رواه البخاري عن قيس عن جرير عن حصين. ورواه أيضاً عن علي عن هشيم.
والمفسرون أيضاً مختلفون فعند بعضهم أنها في أهل الكتاب خاصة. وقال السدي: هي في أهل القبلة. وقال الضحاك: هي عامة في أهل الكتاب والمسلمين. قال وقال عطاء ابن عباس في قوله تعالى {وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَهَبَ وَالفِضَّةَ} قال: يريد من المؤمنين.
أخبرنا أبو الحسين أحمد بن إبراهيم النجار قال: حدثنا سليمان بن أيوب الطبراني قال: حدثنا محمد بن داود بن صدقة قال: حدثنا عبد الله بن معافى قال: حدثنا شريك عن محمد بن عبد الله المرادي عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي جعدة عن ثوبان قال: لما نزلت {وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَهَبَ وَالفِضَّةَ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تباً للذهب والفضة قالوا: يا رسول الله فأي المال نكنز قال: قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجة صالحة.
قوله تعالى {يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا ما لَكُم إِذا قيلَ لَكُم اِنفِروا}. نزلت في الحث على غزوة تبوك وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف وغزوة حنين أمر بالجهاد لغزو الروم وذلك في زمان عسرة من البأس وجدب من البلاد وشدة من الحر حين أخرقت النخل وطابت الثمار فعظم على الناس غزو الروم وأحبوا الظلال والمقام في المساكن والمال وشق عليهم الخروج إلى القتال فلما علم الله تثاقل الناس أنزل هذه الآية.
قوله تعالى: {اِنفِروا خِفافاً وَثِقالاً} نزلت في الذين اعتذروا بالضيعة والشغل وانتشار الأمر فأبى الله أن يعذرهم دون أن ينفروا على ما كان منهم.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: حدثنا إبراهيم بن علي قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن جدعان عن أنس قال: قرأ أبو طلحة {اِنفِروا خِفافاً وَثِقالاً} فقال: ما أسمع الله عذر أحداً فخرج مجاهداً إلى الشام حتى مات.
وقال السدي: جاء المقداد بن الأسود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عظيماً ثميناً فشكا إليه وسأله أن يأذن له فنزلت فيه {اِنفِروا خِفافاً وَثِقالاً} فلما نزلت هذه الآية اشتد شأنها على الناس فنسخها الله تعالى وأنزل {لَّيسَ عَلى الضُعفاءِ وَلا عَلى المَرضى}.
ثم أنزل في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين قوله تعالى {لَو كانَ عَرَضاً قَريباً}. وقوله تعالى {لَو خَرَجوا فيكُم مّا زادُوكُم إِلا خَبالاً} وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج عسكره على ثنية الوداع وضرب عبد الله بن أبي عسكره على ذي حده أسفل من ثنية الوداع ولم يكن بأقل العسكرين فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبي بمن تخلف من المنافقين وأهل الريب فأنزل الله تعالى يعزي نبيه {لَو خَرَجوا فيكُم مّا زادُوكُم إِلّا خَبالاً}.
قوله تعالى {وَمِنهُم مَّن يَقُولُ اِئذَن لّي}. نزلت في جد بن قيس المنافق وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تجهز لغزوة تبوك قال له: يا أبا وهب هل لك في جلاد بني الأصفر تتخذ منهم سراري ووصفاء فقال: يا رسول الله لقد عرف قومي أني رجل مغرم بالنساء وأني خشيت إن رأيت بنات الأصفر أن لا أصبر عنهن فلا تفتني بهن وائذن لي في القعود عنك وأعينك بمالي فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: قد أذنت لك فأنزل الله هذه الآية فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني سلمة وكان الجد منهم: من سيدكم يا بني سلمة قالوا: الجد بن قيس غير أنه بخيل جبان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأي داء أدوأ من البخل بل سيدكم الأبيض الفتى الجعد بشر بن البراء بن معرور فقال:
وَقـالَ رَسـولُ الـلـهِ وَالحَقُّ لاحِقٌ بِـمَّـن قالَ مِنا مَن تَعُدّونَ سَيّدا
فَقُلنا لَـهُ جَـدُّ ِبـنُ قَـيسٍ عَلى الَّذي نُـبَـخِّـلُهُ فينا وَإِن كانَ أَنكَدا
فَـقـالَ وَأَيُّ الـداءِ أَدوى مِنَ الَّـذي رَمَـيتُم بِهِ جَـدّاً وَعالى بِها يَدا
وَسُـوِّدَ بِـشـرُ ِبـنُ الـبَـراءِ بِـجُودِهِ وُحُـقَّ لِـبِـشـرٍ ذِى الـنَدا أَن يُسَوَّدا
وَقالَ خُـذوهُ إِنَّـهُ عــائِدٌ غَــدا إِذا مـا أَتـاهُ الـوَفـدُ أَنـهَـبَ مـالَهُ
وما بعد هذه الآية كلها للمنافقين إلى قوله تعالى: {إِنَّما الصَدَقاتُ لِلفُقراءِ}. قوله تعالى: {وَمِنهُم مَن يَلمِزُكَ في الصَدَقاتِ}.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال: حدثنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسماً إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي وهو حرقوص بن زهير أصل الخوارج فقال أعدل فينا يا رسول الله فقال: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل فنزلت {وَمِنهُم مَن يَلمِزُكَ في الصَدَقاتِ}. رواه البخاري عن عبيد بن محمد عن هشام عن معمر.
وقال الكلبي: نزلت في المؤلفة قلوبهم وهم المنافقون قال رجل يقال له أبو الخواصر للنبي عليه قوله تعالى {وَمِنهُم الَّذينَ يُؤذونَ النَبِيَّ وَيَقولونَ هُوَ أُذُنٌ}. نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يؤذون الرسول ويقولون ما لا ينبغي قال بعضهم: لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقع بنا فقال الجلاس بن سويد نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول فإنما محمد أذن سامعة فأنزل الله تعالى هذه الآية.
يتبع