قصيدة تائية
هذه التائية للشيخ المؤسس سيدي محمد بن الشيخ عبد الكبير الكتاني، وهي موجّهة إلى فقراء الطريقة الكتانية بطنجة وتطوان. قال في بدايتها:
إلى كَـمْ تَمادٍ في غُرور وغَفْلة
لقد ضاع عُمْر ساعة منه تُشترَى
أتُنْفِقُ هذا في هَوى هذه الـتي
أتَرْضى منَ العَيْشِ الرَّغيد تعيشُه
فيـا دَرَّةً بين المَزابِـلِ أُلْقيَـتْ
أفـان ببـاق تشتريه سَفَاهَـةً
أأنـتَ صديـقٌ أمْ عَدُوٌّ لنَفْسِهِ
ولَوْ فَعَلَ الأعْدا بنفسكَ بعضَ ما
لقـد بعْتَها هوناً عليكَ رخيصَةً
فوَيْلَكَ فِـقْ لا تَفْضَحَنْها بمَشْهَدٍ
فبيْـنَ يَدَيْهَا مَوْقـِفٌ وصحيفةٌ
كُلِّفْـتَ بِها دُنْيا كثيراً غُرورُها
إذا أقْبَلَتْ ولَّتْ وإن هي أحْسَنَتْ
ولو نِلْتَ منها مالَ قارون لمْ تَنَلْ
فدَعْهَا وأهليها بقِسْم وخُذْ كذا
ولا تَغْتَبِطْ منها بفَرْحَةِ ساعـةٍ
فعَيْشُكَ فيها ألْفَ عامِ ويَنْقضي
عَليْكَ بما تُجْزَى عليه منَ التُّقَى
تُصلّي بلا قَلْب صلاةً بـمثْلِهـا
تصلّي وقدْ أتْمَمْتَها غيْـرَ عَـالم
فوَيْلَكَ تدْري مَنْ تُناجيهِ مُعْرضـا
تُخـاطِبُهُ إيَّـاكَ نَعْبُـدُ مُقْبٍـلاً
ولـوْ ردَّ من ناجَاكَ للْغَيْرِ طَرْفَهُ
أما تستَحي مِن مالكِ المُلْكِ أن يَرى
صـلاةٌ أقيمَتْ الله يَعْلَمُ أنَّهـا
ذُنُوبُكَ في الطَّاعاتِ وهي كثيرةٌ
سَبيلُكَ أنْ تَسْتَغفِـرَ الله بَعْدَهـا
فيا عامـلاً للنّارِ جِسْمُكَ لينٌ
وجَرّبـْهُ في لَسْعِ الزَّنابيرِ تجْتَري
فإنْ كُنْتَ لا تَقْوى فوَيْحكَ ما الذّي
تُبـارزُهُ بالمُنْكَـرَاتِ عَـشيَّـة
فأنتَ عليه منْكَ أجرا على الوَرى
تقولُ مَعَ العصْيانِ رَبّي غَافـِرٌ
وَرَبّـكَ رزَّاقٌ كما هوَ غَافـِرٌ
فإنَّكَ تَرِجُو العَفْوَ من غَيْرِ تَوْبَةٍ
على أنَّـهُ بالرّزقِ كَفَلَ نَفْسَـهُ
فلَمْ تَرْضَ إلاّ السَّعَيَ فيما كُفيتَهُ
تُسـيءُ بـهِ ظنَّاً وتُحْسِنُ تـارَةً وكم هكذا نَوْم إلى غير يقْظـة
بمِلْءِالسَّمَـاءوالأرض أيَّةَ ضَيْعَة
أبَى الله أن تُساوي جُنْحَ بَعُوضة
مـع الملأ الأعلَى بعَيْشِ البَهيمَة
وجَوِهرةً بيعَتْ بأبْخَس قيمَـة
وسُخْطاً بـرضْوان وناراً بجَنَّـة
فإنّكَ تَرْميهَـا بكـلِّ مُصيبـَة
فعلْتَ لَمَسَّتْهُمْ لهَا بَعْضُ رَحْمَـة
وكانـتْ بهذا منْكَ غيرَ حقيقة
منَ الخلقِ إنْ كُنتَ ابنَ أمٍّ كريمة
يَعُدُّ عَلَيْها كُـلَّ مثقـالِ ذَرَّة
تُقابلُنا في نُصْحهَا بـالخديعـة
أساءَتْ وإنْ صَفَتْ أتَتْ بالكدُورِة
سِوى لُقْمَةٍ في فيكَ مِنْها وخِرقَة
بنفسك عنها فهي كلُّ غنيمَـة
تَعُـودُ بأَحزانٍ عليكَ طويلـَة
كَعَيْشِكَ فيها بَعْضَ يومِ وليْلَـة
فإنَّكَ فـي لَهْوٍ عظيمٍ وغَفِلَـة
يَصيرُ الفتى مُسْتَوْجباً للعُقوبَـة
تزيدُ احْتِياطاً ركْعَة بعدَ رَكْعَـة
وبيْنَ يَدَيّ مَن تَنْحنِي غَيْرَ مُخْبة
علـى غَيْـرِهِ فيها لغَيْر ضَرُورَة
تَمَيَّزْتَ من غَيْظ عليـه وغيِرَة
صُدودَكَ عنْهُ يـا قليلَ المُرُوءة
بِفِعْلِكَ هـذا طاعَةٌ كالخطيئَـة
إذا عُدّدتْ تكْفيكَ عَنْ كلّ زِلّة
وأنْ تتلاَفَى الذّنْبَ منها بتَوِبَـة
فجرِّبْهُ تَمْرينـاً بـحرِّ الظَّهيرَة
على نَهْشِ حيَّاتٍ هُنَاكَ عظيمة
دَعاَكَ إلى إسْخَاطِ ربّ البَرِيَـة
وتُصْبِحُ في أثوابِ نُسْكٍ وعِفَّـة
بما فيكَ من جهْلٍ وخُبْثِ طَوِيَّة
صدَقْتَ ولكِنْ غافرٌ بالمشيئَـة
فلم لَمْ تُصدّقْ فيهمـا بالسَّويَّة
ولستَ ترَجـى الرّزْقَ إلاّ بحيلَة
ولـمْ يتكفَّـلْ للأنـامِ بجنَّـة
وإهمالَ ما كُلِّفْتَهُ مـن وظيفَـة
على حَسْبِ ما يقْضي الهَوَى في القضيَّةِ(171)
———————————————
(171)- لقد قال الشيخ الإمام عن هذه القصيدة في إحدى رسائله إلى فقرات الزاوية الكتانية لطنجة وتطوان مايلي:
"... ولابد تؤكد على كافة الإخوان أن يحفظوها خصوصا المنشدين، ويتعظوا بمواعظها، ويخافوا من ترهيبها، وإذا ضمكم مجلس فقدموها في الإنشاد على غيرها..." (مخطوطات الخزانة الكتانية بسلا).